الصناعات الحرفية العمانية ابداع حي في اطار تراث تليد
ومع بزوغ فجر النهضة حظيت هذه الصناعات بتقدير خاص من السلطان قابوس بن سعيد باعتبارها إرثاً حضارياً وثمرة تاريخ أمة كان لها دورها الريادي والحضاري. ونتيجة لذلك الاهتمام فقد أصدر السلطان مرسوماً رقم 24/2003 بإنشاء الهيئة العامة للصناعات الحرفية الذي أراد به إحياء هذه الموروثات وتفعيل دورها اجتماعياً واقتصادياً وحمايتها من الاندثار.
ويأتي انشاء الهيئة العامة للصناعات الحرفية لوضع الخطط والبرامج التنفيذية للسياسات المعتمدة في مجالات الصناعات الحرفية وحصر وتوثيق كافة الصناعات الحرفية وخاماتها واستخداماتها التي تمتاز بها كل منطقة من مناطق السلطنة وحمايتها والاهتمام بالأنشطة البحثية للاحتياجات الحالية والمستقبلية من الحرفيين في مختلف الصناعات الحرفية واستحداث صناعات حرفية اخرى ذات جدوى اقتصادية وتوفير خدمات التوجيه والارشاد للعاملين في مجال الصناعات الحرفية في النواحي الادارية والفنية وكافة الأنشطة.
كما تتلخص أهداف الهيئة في تقديم خدمات التدريب والتأهيل للعاملين في مجالات الصناعات الحرفية وتوفير الدعم الفني للجمعيات العاملة في تلك المجالات والعمل على تطوير القدرات الابداعية والفنية لمنتسبيها وفقا للأهداف والسياسات المعتمدة لتنمية هذا القطاع والاهتمام بتدريب الموهوبين على اعمال الصناعات الحرفية لتطوير قدراتهم الفكرية والابداعية والفنية والقيادية باعتبارهم نواة وإذكاء الدافع التسويقي للحرفيين عن طريف ايجاد منافذ تسويقية داخلية وخارجية وتشجيع القطاع الخاص على تسويق منتجات الصناعات الحرفية واعداد دراسات لمشاريع نموذجية في مختلف الأنشطة الحرفية وتنمية مجالات التعاون وتبادل الخبرات والتجارب مع الهيئات ومراكز الصناعات الحرية في الدول الأخرى.
وتقوم الهيئة العامة للصناعات الحرفية بأدوار مستقبلية من أجل تطوير وتحسين الصناعات الحرفية حتى تستطيع هذه الصناعات الصمود أمام المنافسة الخارجية للصناعات المماثلة والتي تغرق أسواقنا المحلية والمجاورة في ظل الانفتاح التجاري وأمام هذا التحدي الصريح فقد كان من الضرورة القصوى العمل على تأصيل صناعاتنا التقليدية وتطويرها لتظهر في شكل جديد يضمن بقاءها واستمراريتها ويحفظ لها مكانتها الاولى التي كانت تتمتع بها في الماضي بحيث ترقى الى اشباع الذوق العام للمستهلكين.
ومن هنا تتجه طموحات الهيئة الى فتح معاهد تدريبية لهذه الصناعات لتدريب الشباب ممن يتوفر لديهم الحس الفني وحب العمل الحرفي حتى يتقنوا حرف الآباء ويتمرسوا فيها كما سيتم تأهيل الصناع الحاليين وتدريبهم على المهارات الحديثة في الصناعة التقليدية لتطوير وتحسين مشغولاتهم وذلك بإدخال بعض التعديلات في مشغولاتهم حيث ان هذه المشغولات أصبحت لا تستخدم حسب ما كانت عليه في الماضي كما أن متطلبات السوق الحالية تقتضي إجراء تغيير على ملامحها لتصل إلى أرقى مستوى وتكون ذات أشكال فنية وقيم جمالية ويكون لها قبول فني بحيث يتم اقتناؤها واستخدامها على أساس أنها تحفة فنية ذات طابع بيئي عماني وفي المقابل تنشيط الحركة التجارية لهذه الصناعات يتوجب ايجاد منافذ تسويقية على مستوى واسع سواء كان ذلك على المستوى الداخلي في الأسواق العمانية والخارجي في الاسواق العربية والعالمية.
وتتميز البيئة العمانية بتنوع جغرافي كبير حيث تضم بيئات مختلفة كالبيئة الساحلية والصحراوية والجبلية والحضرية والبدوية مما يساهم في تنوع الصناعات الحرفية وقد تشكلت على أساسها ثقافات الحرفيين الأمر الذي يمثل تحديا كبيرا للهيئة العامة للصناعات الحرفية فكان من الأهمية بمكان تصنيف تلك الصناعات وجمعها ومعرفة خصائصها فجاء التفكير في تنفيذ المشروع الوطني لحصر وتوثيق الصناعات الحرفية والقائمين عليها وهو يمثل أحد الأطر الرئيسية للمهام الموكلة للهيئة وهو مشروع تنموي في المقام الاول يخدم شريحة واسعة من أبناء المجتمع ممن يعملون في القطاع الحرفي.
ويسهم المشروع في إيجاد قاعدة بيانات متكاملة تعين الباحثين والمختصين على وضع الخطط والبرامج المناسبة للرقي بهذا القطاع.
كما سيسهم في التعرف على الخصائص الديموغرافية والاجتماعية للحرفيين من حيث الجنس والسن ومدى تفرغ الحرفي للعمل من عدمه والتعرف على مساهمة قطاع الصناعات الحرفية في القوى العاملة والحصول على بعض المؤشرات عن مساهمة القطاع في الناتج القومي للسلطنة ووضع الخطط اللازمة لتدريب الحرفيين وتطوير قدراتهم ومهاراتهم وفقا للاحتياجات الفعلية لكل نوع من أنواع الصناعات الحرفية.
كما يسهم المشروع في توثيق كافة المراحل والخطوات المتخذة لتصنيع المواد الحرفية بدءا من مراحل الاعداد ومرورا بمفردات المادة المراد تصنيعها وما تحتاجه من أدوات مساعدة وانتهاء بالمراحل النهائية والتي تتكون منها كافة المواد المستخدمة.
وقد انطلقت فعاليات مشروع توثيق الصناعات الحرفية والذي يأتي استكمالا لمشروع حصر الصناعات الحرفية وذلك لتوحيد الجهود والعمل على تجميع كافة المعلومات والبيانات المتعلقة بهذا القطاع المهم.
ويقوم فريق العمل بتوثيق هذه المراحل والخطوات لتكون دلائل تاريخية شاهدة على ما تضيفه الايام من تجديد وتحديث الإنتاج وتطويره بموجب التقدم العلمي والفني للحياة العصرية.
وتشتمل آلية تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل مهمة وذلك لضمان تسجيل كافة البيانات المتعلقة للحرفة فالمرحلة الأولى تعتمد على التصوير التلفزيوني المدعم بالصوت حيث يتم فيه تسجيل كافة المراحل والخطوات للحرفة ابتدءا من المراحل التحضيرية وانتهاء بمرحلة الإنتاج، أما المرحلة الثانية فتعكس إبداع التصوير الضوئي في إخراج صور الصناعات الحرفية ومن خلاله يقوم المصور الضوئي المحترف بتتبع كافة مراحل التصنيع خطوة بخطوة بدءا من المواد الخام ووصولا إلى المنتج الحرفي.
وتعتمد المرحلة الثالثة للتوثيق على الرسم الفني لدعم عمليات الإنتاج بالرسوم التوضيحية والتي تشكل أهمية في رصد أهم الحركات التي يقوم بها الصناع خلال عملهم وتوضيحها بشكل أكبر لإظهار أبعاد الحرفة كون أن فن الرسم يوضح ويرصد ما لا تستطيع آلة التصوير توضيحه وبذلك يضمن المشروع الاستفادة من كافة المراحل والخطوات المعمولة للتوثيق.
فيما يلي على سبيل المثال لا الحصر بعض المجالات الابداعية التي تألقت فيها مواهب الحرفي والفنان العماني عبر العصور :
الخناجر والسيوف
يشكل الخنجر العادي أو المعقوف أهم مكونات الزي العماني والشخصية العمانية، بل إنه أهم مكونات البيت العماني نفسه، ويحرص العمانيون على اقتناء الخناجر والظهور بها في المناسبات الرسمية والاحتفالات الوطنية والأعراس، ومع توارث هذا المظهر الاجتماعي من الآباء إلى الأبناء، حافظت صناعةُ الخناجر على بقائها رغم تطورات العصر، حيث تنتشر في السلطنة حوالي 250 ورشةً يعمل فيها 500 عماني و700 وافد.
وبخلاف الأهمية الاقتصادية لصناعة الخنجر هناك الأهمية السياحية؛ فالخنجر أحد وسائل ترويج السياحة العمانية في الداخل والخارج، ومن هنا تهتم السلطنة بصناعته لاعتمادها على السياحة في السنوات الأخيرة بعد انتهاج سياسة تنويع مصادر الدخل.
والخنجر العماني تراثٌ أصيل، تحرص الأجيال على اقتنائه وتوارثه جيلاً بعد جيل، فهو رمز عمان الذي يميِّزنا عن بقية دول الخليج، ويزدان العماني بالخنجر في الأفراح والمناسبات الوطنية، وخلال المؤتمرات والمناسبات الكبرى التي يحضرها السلطان قابوس بن سعيد والوزراء، والخنجر أيضا هو رمز الرجولة والفخر والاعتزاز بين العمانيين.
وتتميَّز نزوى بصناعة الحرف التقليدية مثل الخناجر والسيوف والمنسوجات والصناعات السعفية، وتُباع تلك المنتجات في سوق نزوى، وفي بقية أسواق السلطنة الشعبية مثل سوق مطرح، ويتحدد سعر الخنجر بناءً على المادة الخام المصنوع منها سواء الاستيل أو الفضة أو الذهب، وإن كانت الخناجر الفضية هي الأكثر شيوعا، خصوصا بالنسبة للمقبض، أيضا يحدد القرن سعرَ الخنجر؛ فهناك قرن الزراف وهو الأغلى سعرا، وهناك قرن الجاموس وقرن الصندل وقرن شجرة النارنج، وأرخص الخناجر ذات القرون الصناعية.
والخنجر العماني من معالم الشخصية العمانية، حيث يضع الرجال على نطاقهم حزاما من الجلد فوق الدشداشة، ويصنع القسم الأمامي منه من قطع فضية صغيرة مترابطة، أو يكون مطرزا تطريزا أنيقا بخيوط فضية أو ذهبية.
النسيج الصوفي
عرف العمانيون صناعة النسيج من العصور القديمة، وعرفت هذه الصناعة عند أهل البادية بصناعة السدو عن طريق المغزل من صوف الأغنام أو الماعز، واستطاع البدوي أن ينسج الصوف و الشعر ليبني بها مسكنه، واشتهرت نساء البادية أيضا بعمل الزرابيل من صوف الأغنام كما عملت على نسج زانه الجمال عن طريق المغازل وهى الغرض، والبداد والسيح والخطام والشداد والشمله والمحوي والكفال.
وقد اشتهرت ولاية سمائل بصناعة الاوزره والعمائم، وكانت تصدر بعض هذه المنسوجات قديما إلى أسواق شرق أفريقيا والهند والجزيرة العربية الغزل والنسيج التي يعتمدون فيها على المواد الخام المحلية من صوف الأغنام وغيرها من الحيوانات التي يقومون بتربيتها الغزل والنسيج، الخروج والغلي التي يصنعونها من "الشعر" وهي تستخدم كغطاء للمنازل وكذلك يستخدمونها "كفراش" وتسمى "العينة".
النسيج القطني
كان القطن يزرع في سلطنة عمان وخاصة في نزوى بكثرة ولكن تقلص إنتاجه خلال العقود الماضية نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج ولقلة الاستعمالات المتاحة له نظرا للمنافسة الصناعية الحديثة في القماش المستورد حيث كان يغزل القطن المحلى وينسج في أنوال محلية حيث تصنع منه أنواع من الملابس مثل الإزار.أهم المواد الخام خيوط مختلفة ومادة نشا الأرز. الأدوات المستخدمة كثيرة أهمها: السكين، القالب، المرادة، الكرب، النير، البلو و الخشب.
الأزياء العمانية
هناك نوعان من الأزياء العمانية، فالنوع الأول يختص بالأزياء الرجالية الذي يتميز بشكله الفريد، أما النوع الآخر فيختص بالأزياء النسائية.
وتوصف الأزياء الرجالية بالبساطة والتكيف مع البيئة المحيطة، وهي عبارة عن ثوب طويل "دشداشة" ذات عنق مستدير يحيط بها شريط رفيع قد يختلف لونه عن لون الدشداشة.
وبشكل عام فالأزياء العمانية لها مكانة خاصة ومميزة، فإلى جانب اتصافها بالبساطة والأناقة فلها خصوصية تاريخية. فعمان بحكم موقعها الجغرافي وتواصلها الحضاري أثرت وتأثرت بالشعوب الأخرى، فكانت الأزياء من نتاج هذا التواصل عبر الحقب والعصور.
صناعة البخور
البخور كلمة تطلق إما على مفردات عطرية أو على مخاليط عطرية توضع على الجمر فبتأثير حرارة الجمر على المواد العطرية المكونة لها يتحول المخلوط إلى دخان عطري جيد الرائحة، ويستعمل لذلك مباخر أو مجامر ذات أشكال وألوان متعددة على حسب ما جرت عليه العادة في مختلف مناطق السلطنة وبعض هذه المباخر يعمل على الكهرباء والبعض الآخر على الجمر الطبيعي أو الصناعي، والجمر الطبيعي أفضلها حسب ما ذكر الناس من تجاربهم ومن أشهر أنواع البخور ما يلي: العود والقطرة والخريف وغيرها كثير.
التقطير
يوجد بالسلطنة العديد من الأشجار والنباتات ذات الفوائد المتعددة بتعدد أنواعها سواء المقطر منها مثل ماء الورد ونبات الجعداء وأشجار الياس والكيذا أو المستخلصة زيوتها مثل أشجار الشوع والقفص وأشجار العرش.
وكمثال على عملية التقطير نذكر عملية تقطير ماء الورد، حيث يزرع الورد في منطقة الجبل الأخضر بكميات كبيرة ويقوم المزارعون بتصنيع هذا الورد كغيره بطريقة طريفة ولكنها متعبة في نفس الوقت ولكن المشقة والتعب ينتهيان حين يحصل صاحبها على ثمرة جهده على ماء الورد المقطر الصافي فكيف يتم ذلك في شهر أبريل تتفتح زهور الورد فيقوم صاحبها بقطعها ثم يأخذها إلى مصنعه المتواضع المبنى من الطين والحصى وله باب صغير ومدلاة سقفها البرم وله باب صغير ومدلاة سقفها البرم المصنوعة من الفخار ويكون عددها زوجياً ويتلائم مع كمية الورد المراد تصنيعها، وهذه الغرفة تسمى "بالدهجان".
الصناعات الفخارية
تعتبر الصناعات الفخارية من الصناعات القديمة في عمان اهتم بها العمانيون لتعدد استعمالاتها في حياتهم اليومية ومن أشهر الأماكن لصناعة الفخار:بهلاء، بدبد، صحم، بلاد بنى بوحسن، ظفار، وادى المعاول، سمائل.
يرجع تاريخ صناعة الفخار إلى الألف الرابع قبل الميلاد هذا ما أشارت إليه الحفريات والتنقيبات الأثرية التي تم اكتشافها في البريمى وشمال عمان والتي كانت عبارة عن قطع فخارية قديمة إذ تدل على أنها من أولى الصناعات التي ابتكرها الإنسان منذ حلوله على أرض عمان.
وتعتمد الصناعات الفخارية في مكوناتها على الصلصال المأخوذ من التربة المتميزة الصالحة للتشكيل والقادرة على الصمود في وجه مختلف المتغيرات الطبيعية وغيرها. وتعتبر ولاية بهلا بالمنطقة الداخلية الموطن الأصلي والوحيد للتربة الصالحة للصناعات الفخارية.
وبينما أخذت عمان في السنوات الأخيرة تتطور في عصر الحداثة، تطورت الحرفيات أكثر وأصبحت الأدوات تشترى لقيمتها الفنية مثلما تشترى لقيمتها العملية. وهذا جلي على وجه الخصوص في المنتجات المصنوعة للزوار المتصاعدة أعدادهم وأسواق بيع الهدايا التذكارية.
ومع ذلك فقد تواصلت صناعة كل منتج من تلك المنتجات التي يبدعها المنتجون الحرفيون وأصبحت تقوم على أسس متينة مبنية على العملية. وبذلك فإن الحرفيين العمانيين هم حماة تراث البلاد، ويمثل عملهم صورة حية للطموح والانجاز الانساني.
المصدر: العرب أون لاين
تفاعل مع الصفحة