التفاؤل الحقيقي
حين تنهار أسعار البترول يمكننا ان نسمع الاصوات الحكيمة بوضوح، تلك الاصوات لا يمكن سماعها وسط مهرجانات الاحتفال بارتفاع أسعار البترول.
ماذا تقول تلك الاصوات الحكيمة؟ تقول لنا اننا في الكويت حكومة ومجلس امة وشعباً كلنا مشغولون بالتوافه من الامور، اما القضايا الاستراتيجية الكبرى فنحن لم نعمل على فهمها ولا تطبيقها لصالح بقاء دولتنا.
لقد كانت تجربة الغزو المريرة مثالاً لما يكن ان يحدث للكويت، دولتنا الحبيبة يمكن ان تختفي من التاريخ ومن الجغرافيا خلال ساعات قليلة، ويمكن ايضا لنصف شعبها ان يتركها بحثاً عن مرابع اخرى، لكننا للاسف لم نتعظ من تلك التجربة ولم نستفد منها.
الاصوات الحكيمة تقول ايضا اننا يجب ان نخفض من اعتمادنا على البترول بمقدار الثلثين، ويجب ان نوزع مصادر دخلنا لتشمل الاستثمار والصناعة، وحتى تنجح استثماراتنا يجب ان يكون لدينا اموال مستثمرة وبعائد 7 إلى %10 ليحقق هذا العائد ثلث ما تحتاج اليه ميزانيتنا السنوية، وهذا يعني بوضوح اننا يجب ان نزيد استثماراتنا الآمنة عما عليه الآن، اما الصناعة فانه يجب ان يكون لدينا فكر متطور للبدء بصناعة يحتاج اليها غيرنا ونمتلك نحن مقوماتها.
الزراعة في الكويت ولاسباب مفهومة لا تحقق لنا اي دخل ولو نجحت الزراعة ورعاية الحيوانات ان تسد %20 من حاجياتنا فهذا انجاز كبير، لتبقى الصناعة هي املنا الحقيقي في المحافظة على مستقبل بلادنا.
ولكن كيف يمكننا ان نستثمر بصورة جدية وان نبني قاعدة صناعات يعتمد عليها ما دامت حكومتنا (الرشيدة) قد عودت شعبنا الكويتي على الكسل والترف وبصورة أدق على الدلع، حتى الآمال التي تخيلها بعض الحكماء منا حين اوجدنا الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بهدف ايجاد قاعدة للفنيين تكون نواة لبدء الصناعة الحرفية وبالتالي النهوض بالصناعة بصورة عامة، هذا الامل تلاشى تماما عندما اكتشفنا اننا اوجدنا هذه الهيئة لتحل مشاكلنا السياسية ويدخلها آلاف من الطلبة الراغبين بالحصول على شهادة تمكنهم من الجلوس على الطاولة او تحت الطاولة لا فرق.
اننا امام معضلة استراتيجية كبيرة فلو نضب لدينا اليوم البترول فلن تجد في الكويت احدا من غير اهلها، وايضا سوف نكتشف ان %50 من اهلها سوف يغادرونها اما الـ %50 الباقي فبعضهم سيعيش على مدخراته التي جمعها بالحقبة النفطية، اما الخبراء والعلماء الوطنيون فسوف يطلبونهم في بلاد اخرى كما كنا نطلب نحن الخبراء من خارج بلادهم وسنكتشف في ذلك الوقت ان الوقت ان الذي دفع الثمن الحقيقي هم الشعب الكويتي المسكين الذي سيقتات على بقايا البقايا، هذه الحقيقة التي يراها اهل الحكمة واقع مستقبلي سيحدث في يوم ما، فبلد لم ينجح بالتقليل من اعتماده على مصدر زائل لابد ان نهايته ستكون هكذا، وبلد لم يفلح في بناء الانسان المجتهد في عمله والقادر على محاربة الطبيعة والاتيان برزقه من التراب لابد ان يكون ايضا مصيره هكذا.
عزيزي القارئ قد تظن ان هذه صورة تشاؤمية ولكنني في الحقيقة اختلف معك بالرأي فهذه الصورة في الحقيقة صورة مليئة بالتفاؤل، فتشخيص العلة قبل وقوعها هو السبيل الامثل لتجنبها وتجنب آثارها وهذا هو معنى التفاؤل الحقيقي اما التشاؤم فهو اغماض النظر عن هذه الحقائق وترك الامور تسري على علاتها الى ان تقع المصيبة ويدفع الناس ثمنها، اذن نحن ندعو لنكون جميعا متفائلين ونبدأ من الآن ببناء استراتيجية شاملة تكفل لبلادنا البقاء مع خلق انسان كويتي جاد وترك تلك العواصف والمهاترات التي مللنا منها والتي تشدنا الى الاسفل وتلهينا عن رؤية واضحة لمستقبلنا القادم.
منقول من جريدة "الوطن"
تفاعل مع الصفحة