بعد أن حققت شهرة واسعة: المشاكل تحاصر صناعة الأرابيسك فى كفر المنسى
ففى البداية يتحدث الحاج جميل محمد السيد جمعة والذى يعد أول من أدخل صناعة الأرابيسك فى قرية كفر المنشى وهو المعلم الأول لكل عمال الأرابيسك بالقرية ويقول أن الأرابيسك هو الفن الأصيل الذى يعبر عن الهوية العربية الاسلامية الخالصة والتى يعود تاريخها إلى ما يزيد على ألف عام وازداد الأرابيسك تألقا فى القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وهذا ما جعل العثمانيين يأخذون الفنانين المصريين المبدعين فى هذا الفن إلى بلادهم ليزينوا لهم القصور. ويضيف لقد بدأت صناعة الأرابيسك فى قرية كفر المنشى فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى وبداية الثمانينيات وتعد فترة التسعينيات هى فترة الازدهار والانتشار حيث تزايد الطلب على منتج الأرابيسك بشكل كبير وهذا الطلب كان خارجيا وداخليا وكان الطلب المحلى بشكل كبير جدا حيث كان كل فرد من أبناء القرية يستطيع أن يعمل على ماكينة الأرابيسك ولم يكن أى بيت من بيوت القرية يخلو من ماكينات الأرابيسك وطبيعى أنه كلما يزداد الطلب على المنتج كلما ازداد سعره فهى مسألة عرض وطلب أما الآن فالطلب أصبح منخفضا وبالتالى فإن المعروض أصبح قليلا.
تراجع الصنعة
ويشيد جمعة بمسلسل أرابيسك والذى تم عرضه فى فترة التسعينيات بأنه عرَّف الناس بصنعة الأرابيسك. ويضيف جمعة أن سبب تراجع هذه الصناعة أو تراجع الطلب عليها فهو بسبب ظهور عيوب فى بعض منتجات الأرابيسك حيث أن كثرة الانتشار أظهرت عيوب المنتج وهذه العيوب متمثلة فى الجودة فمثلا إذا كان شخص عنده طقم أنتريه أرابيسك فإن التراب يوجد فى فوارغ الأرابيسك ولا تستطيع ربة المنزل تنظيفه أو يتم كسر جزء من شغل الأرابيسك ولا يستطيع تصليحه فهذه العيوب تعد عيوب فى جودة المنتج ويمكن تفاديها إذا تم عمل المنتج بإتقان بمعنى أن العامل الماهر يستطيع صناعة المنتج بسطح أملس ناعم بما لا يجعل التراب يعلق به وكلما كان سمك الخشب المستخدم كبيرا أصبح غير معرض للكسر. فضلا عن الأشخاص التى تقتنيه لابد أن تتعامل معه على أنه تحفة فنية.
ويوجد عامل آخر أدى إلى انخفاض الطلب على منتج الأرابيسك وهو انقراض الموديلات وظهور موديلات أخرى أكثر حداثة أدت إلى جذب الناس إليها وهنا يأتى دور المعارض التى تعمل على تعريف الناس بهذا الفن وكذلك تقديم الموديلات الجديدة التى يمكن أن يستخدم فيها الأرابيسك. ومن العوامل التى أدت إلى انخفاض الطلب على منتج الأرابيسك هو الحالة الاقتصادية وخاصة للشباب المقبلين عى الزواج فمنتج الأرابيسك مرتفع السعر بالمقارنة بغيره من المنتجات بالتالى فهم يفضلون الأقل سعرا.
الحصول على الخامات
يوضح جمعة أن الخشب بأنواعه هو الأساس فى عمل الأرابيسك ولكن من الممكن أن يستخدم معه الصدف وبعض المعادن كالنحاس ويتم شراء خامات الأخشاب من مصانع الأخشاب بالاسكندرية وكان أصحاب الورش يقومون بشراء فضلات المصانع من الأخشاب ولكن فى العام الماضى أصبحوا لا يجدون حتى هذه الفضلات لأن المصانع نفسها متوقفة عن العمل وهذا أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الخامات وذلك مع ارتفاع أسعار النقل وتحميل هذه الزيادات على سعر منتج الأرابيسك فإن سعر المنتج تضاعف لعدة مرات.
تطور الماكينات
يوضح جميل جمعة أن الماكينات المستخدمة منذ السبعينيات هى الموجودة حتى الآن ولم يحدث لها أى تطوير لأن مهنة الأرابيسك هى مهنة يدوية فى المقام الأول ولكن توجد ماكينات كبيرة أكثر تطورا ولكنها باهظة الثمن ولا تستطيع الورش الصغيرة تحملها وهى توجد فى المصانع الكبيرة فقط وليس معنى ذلك أنها تؤدى بطريقة أفضل ولكن الماكينات الصغيرة تعد الأفضل لأنها تستطيع إعطاء منتجات لا تستطيع أن تنتجها الماكينات الكبيرة.
مراحل التصنيع
يوضح ياسر الصعيدى "عامل أرابيسك" أن فن الأرابيسك يتشكل من فنون الحفر والزخرفة والخط والرسم والتعشيق والنقش والتطعيم ولذلك تمر عملية تصنيع الأرابيسك بالعديد من المراحل فالبداية تكون قطعة الخشب ويتم تقطيعها عن طريق المنشار وتحويلها إلى "سدايب" رفيعة ويتوقف سمكها على الشكل المطلوب الحصول عليه والتخانات المطلوبة لهذه الأشكال وبعد ذلك مرحلة "الخراطة" وفيها يستخدم العامل ما يسمى "المحزَّة" وفيها يتم خرط الأشكال المطلوبة وبعدها تأتى عملية "التثقيب" عن طريق المثقاب ثم علمية "التجميع". ولكن الجزء الأهم هو أن الأرابيسك صناعة مكملة للنجارة بمعنى أن النجار هو الذى يحدد مقاسات الأرابيسك المطلوبة وبعدها يبدأ عامل الأرابيسك فى تنفيذ المقاسات المطلوبة ثم يأخذها النجار بعد ذلك ليضعها فى مكانها بالمنتج النهائى سواء كان أطقم أنتريهات أو ترابيزات أو مكاتب أو حتى غرف نوم. أما عن موديلات الأرابيسك الشهيرة فمنها الوردة والمسدس وسبعات ثمانيات والميمونى والكنائس وغيرها من الموديلات.
عدد المصانع
يؤكد جميل جمعة أن بيوت قرية كفر المنشى كلها كانت ممتلئة بورش إنتاج الأرابيسك فى فترة التسعينيات وكان كل شباب القرية يعملون فى هذا المجال ولم يكن يوجد أى شاب بالقرية عاطلا ولا يكلفون الدولة عناء توفير فرص عمل لهم أما الآن فالقرية كاملة لا يوجد بها ما يزيد عن 10 أو 12 ورشة لإنتاج الأرابيسك. ويضيف أن المحزن فى الأمر أن قرية كفر المنشى حققت شهرة واسعة فى مجال إنتاج الأرابيسك وكانت ورش النجارة الموجودة فى دمياط والتى تعد من أشهر البلاد فى إنتاج الموبيليا كان أصحابها يأتون إلى قرية كفر المنشى لشراء منتجات الأرابيسك بالسعر الذى يحدده أصحاب هذه الورش أما الآن فقد اختلف الحال كثيرا.
أهم المشكلات
يؤكد جميل جمعة أن أهم المشكلات التى يواجهها أصحاب ورش الأرابيسك هى مشكلة التسويق حيث تقتصر علمية التسويق على الزبائن التى تأتى إلى الورشة وتطلب منتجا بعينه أو على ورش النجارة الموجودة فى دمياط حيث يقوم صاحب ورشة الأرابيسك عندما ينتج مترا أو مترين يأخذها ويسافر إلى دمياط ليعرضها على أصحاب الورش وهنا يتعرض لأشياء سخيفة من أصحاب بعض هذه الورش وقد يبيع المنتج بسعر تكلفته أو أقل وقد لا يحصل على الثمن إلا بعدها بفترة وهو مضطر أن يقبل لأن ليس لديه خيار آخر أو وسيلة أخرى ولو كان يملك بابا أخر للرزق لترك هذه المهنة.
وطالب جمعة الدولة بأن تتبنى مشروعات الأرابيسك وتتولى تسويق المنتجات بالسعر الذى تراه مناسبا وتستفيد الدولة ويستفيد أصحاب الورش.
ويضيف عماد مخيمر "صاحب ورشة نجارة" أنه من أهم المشكلات الموجودة هى ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة فى الورش حيث أن ارتفاع الأسعار فى زيادة مستمرة مما يؤثر على ارتفاع سعر المنتج وانخفاض الطلب عليه لارتفاع سعره. وكذلك من أهم المشكلات أيضا مشكلة الضرائب حيث يتم ربط ضرائب كبيرة غير مناسبة لكمية الإنتاج وبالتالى فإن البعض يخاف ويقوم بفتح هذه الورش فى البيوت وبالتالى يؤثر ذلك على أصحاب الورش المرخصة حيث أن أصحاب هذه الورش عليهم أعباء الضرائب والتأمينات والكهرباء والرسوم المحلية وهذه الأعباء يتم حسابها وإضافتها على المنتج مما يؤدى إلى ارتفاع سعر المنتج أما بالنسبة لمن يقوم بالعمل داخل منزله فلا توجد عليه مثل هذه الأعباء وبالتالى إذا أضاف هامش ربح على سعر التكلفة فإنه يحقق ربحا أكبر وبالتالى يبيع أكثر وكلنا نعرف أن المصريين أول ما يبحثون عنه هو السعر ويأتى بعد ذلك الجودة والمنظر الجمالى.
ويستكمل عماد مخيمر كلامه عن المشكلات قائلا أن مشكلة الكهرباء من المشكلات الكبيرة التى تواجههم فمثلا فى العام الماضى كانت الكهرباء تنقطع أكثر من 6 مرات فى اليوم وكل مرة تتراوح ما بين الساعتين والثلاث ساعات وهذا أدى إلى توقف العمل بالورش فكيف نعمل ونوفى بالتزاماتنا تجاه الطلبيات المقررة والمطلوبة ولا نستطيع أن نعمل بسبب انقطاع التيار الكهربائى وبالتالى كنا لا نقبل أى طلبيات خوفا من عدم القدرة على الالتزام بتسليمها فى موعدها. والغريب فى الأمر أنه منذ 30 يونيو الماضى لم تنقطع الكهرباء حتى الآن مما جعل بشاير العمل تبدأ.
أجر العامل
أكد مظهر الصعيدى "عامل أرابيسك" أن مهنة الأرابيسك لم تعد مثلما كانت سابقا وغير مجزية لهم فى ظل غلاء الأسعار وأن معظم عمال الأرابيسك تركوا هذه المهنة للعمل فى مهن أخرى. وأضاف أن عامل الأرابيسك يعمل بالإنتاج وفى حالة وجود طلبيات فإن العامل يحصل يوميا ما بين 30 جنيها 50 جنيها.
مقترح
واقترح مظهر الصعيدى أن تقوم الدولة بعمل مراكز للتدريب على هذه الصناعة للحفاظ عليها وذلك بالتدريب الكافى حتى يحصل العامل على خبرة كافية للعمل فى هذه المهنة ثم بعد ذلك تتولى الدولة توفير الخامات للعمل ثم نأخذ الأرابيسك وتتولى تسويقه دوليا وتكون الدولة هى المسئولة عن مرتبات العمال. وكذلك عمل معارض للنجارة المستخدمة فيها الأرابيسك حيث أن الأرابيسك صناعة مكملة للنجارة ولكى يتم عرضها لابد من عرض النجارة المستخدم فيها الأرابيسك وكذلك التعريف للعالم بها من خلال الصحافة والقنوات الفضائية.
المصدر: الأهرام الرقمى
تفاعل مع الصفحة