هل نيوتن هو فعلا من أكتشف قوانين الحركة؟
وقد ظلت هذه الحقيقة المعروفة في العالم كله, بل وفي جميع المراجع العلمية, ومنها بالطبع مدارس المسلمين حتى مطلع القرن العشرين, وذلك حين تصدى للبحث جماعة من علماء الطبيعة المسلمين المعاصرين, وكان في مقدمتهم الدكتور مصطفى نظيف أستاذ الفيزياء والدكتور جلال شوقي أستاذ الهندسة الميكانيكية, والدكتور علي عبدالله الدفاع أستاذ الرياضيات فعكفوا على دراسة ما جاء في المخطوطات الإسلامية في هذا المجال, فاكتشفوا أن الفضل الحقيقي في اكتشاف هذه القوانين إنما يرجع إلى علماء المسلمين وإن ما كان دور نيوتن وفضله فيها إلا تجميع مادة هذه القوانين وصياغتها وتحديده لها في قالب رياضي.
وبعيدا عن العاطفة والكلام النظري المجرد فإن جهد علماء المسلمين في ذلك جاء واضحا وصريحا, تدعمهم النصوص الكثيرة الموثقة في مخطوطاتهم والتي ألفوها قبل مجيء نيوتن بسبعة قرون ولنحتكم إلى تلك النصوص:
القانون الأول للحركة:
يشير القانون الأول للحركة في علم الفيزياء إلى أنه إذا كان مجموع الكميات الموجهة من القوى التي تؤثر على جسم ما صفرا, فسوف يظل هذا الجسم ساكنا وبالمثل فإن أي جسم متحرك سيظل على حركته بسرعة ثابتة في حالة عدم وجود أية قوة تؤثر عليه مثل قوة الاحتكاك وقد جاء ذلك في قالب نيوتن الرياضي حيث قال "إن الجسم يبقى في حالة سكون أو في حالة حركة منتظمة في خط مستقيم ما لم تجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحالة".
وإذا جئنا إلى علماء المسلمين ودورهم في ذلك, فإن الشيخ الرئيس إبن سينا في كتابه (الإشارات والتنبيهات) صاغ ذلك بلفظه فقال "إنك لا تعلم أن الجسم إذا أخلي وطباعه ولم يعرض له من خارج تأثير غريب لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين فإن في طباعه مبدأ استيجاب ذلك وليست المعاوقة للجسم بما هو جسم بل بمعنى فيه يطلب البقاء على حاله".
والواضح لنا من النص السابق أن تعبير إبن سينا للقانون الأول للحركة يمتاز عن تعبير إسحاق نيوتن الذي جاء بعده بأكثر من ستة قرون, وفيه يؤكد على أن الجسم يبقى في حالة سكون أو حركة منتظمة في خط المستقيم, ما لم تجبره قوى خارجية على تغيير هذه الحالة, بما يعني أن إبن سينا هو أول من اكتشف هذا القانون.
القانون الثاني للحركة:
وهذا القانون يربط بين مجموع القوى المؤثرة على الجسم وعلى زيادة سرعته, وهو ما يعرف بالعجلة وتكون العجلة متناسبة مع حجم القوة وفي نفس اتجاهها ويعتبر ثابتا هذا التناسب بمنزلة كتلة الجسم (ك).
وقد جاء ذلك في قالب نيوتن في الرياضي حيث قال "إن القوة اللازمة للحركة تتناسب تناسبا طرديا مع كل من كتلة الجسم وتسارعه وبالتالي فإنها تقاس كحاصل ضرب الكتلة x التسارع بحيث يكون التسارع في نفس اتجاه القوة وعلى خط ميلها".
وإذا جئنا إلى علماء المسلمين فلك أن تتأمل مثلا قول هبة الله بن ملكا البغدادي (480 – 560 ه / 1087 – 1164 م) في كتابة (المعتبر في الحكمة) حيث يقول "وكل حركة ففي زمان لا محالة فالقوة الأشد تحرك أسرع وفي زمن أقصر فكلما اشتدت القوة ازدادت السرعة وقصر الزمان فإذا لم تتناه الشدة لم تتناه السرعة وفي ذلك تصير الحركة في غير زمان أشد لأن سلب الزمان في السرعة نهاية ما للشدة". وفي الفصل الرابع عشر الموسوم (الخلاء) قال بلفظه "تزداد السرعة عند اشتداد القوة فكلما زادت قوة الدفع زادت سرعة الجسم المتحرك وقصر الزمن في قطع المسافة المحددة وهو بالضبط ما نسقه نيوتن في قالبه الرياضي وأسماه القانون الثاني للحركة.
القانون الثالث للحركة:
وهو يعني أنه إذا تفاعل الجسيمان فإن القوة التي يؤثر بها الجسيم الأول في الجسيم الثاني تسمى قوة الفعل تساوي بالقيمة المطلقة وتعاكس بالاتجاه القوة التي يؤثر بها الجسيم الثاني في الأول تسمى قوة رد الفعل وقد صاغ نيوتن ذلك القانون في قالبه الرياضي فقال "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه".
وقبله بقرون وفي كتابه المعتبر في الحكمة أورد أبو البركات هبة الله بن ملكا نصه "إن الحلقة المتجاذبة بين المصارعين لكل واحد من المتجاذبين فيجذبها قوة مقاومة لقوة الآخر وليس إذا غلب أحدهما فجذبها نحوه يكون قد خلت من قوة جذب الآخر بل تلك القوة موجودة مقهورة ولولاها لما احتاج الآخر إلى كل ذلك الجذب".
بل إن إبن الهيثم كان له نصيب منه أيضا حيث قال في كتابه (المناظر): "المتحرك إذا لقي في حركته مانعا يمانع وكانت القوة المحركة له باقية فيه عند لقائه الممانع فإنه يرجع من حيث كان في الجهة التي منها تحرك وتكون قوة حركته في الرجوع بحسب قوة الحركة التي كانت تتحرك بها الأول وبحسب قوة الممانعة".
ولا ريب بعد في أن ما أورده علماء المسلمين في هذه النصوص هو أصل القانون الثالث للحركة والذي صاغه نيوتن بطريقته بعد أن استولى على مادته.
المصدر:
كتاب ماذا قدم المسلمون الي العالم, د. راغب السرجاني
تفاعل مع الصفحة