أول أكسيد الكربون (الغاز القاتل)

هل تصدق أن غاز أول أكسيد الكربون سبب رئيسى فى كثير من حوادث السيارات وسبب رئيسى فى وفاة كثير من المدخنين. ينتج هذا الغاز بصورة أساسية عن الاحتراق الكامل لمختلف أنواع الوقود العضوى (كالفحم والمازوت والمنتجات البترولية الأخرى). كما ينتج أيضا عن الاحتراق غير التام لبعض المركبات الكيمائية العضوية (كالألدهيدات, والكيتونات, والألكانيات).

وهو يشكل النسبة الكبرى من غازات العادم, حيث يؤدى الاحتراق غير الكامل للجازولين (بنزين السيارات) إلى تكوينه.  والثابت علميا أن أفضل أنواع السيارات أداء لا يتم احتراق الجازولين فيه بصورة كلية, مهما كان نوعها, وقد وجد أن السيارة الواحدة تطلق خلال العام الواحد نحو 1450 كجم من هذا الغاز القاتل.  وهذا يعنى أن كيمة الغاز التى تنطلق من ألف سيارة تعادل نحو أربعة أطنان يوميا.  وهو رقم مفزع ومخيف.

والسجائر تطلق هذا الغاز عند إشعالها.  وتصل نسبة تركيز أول أكسيد الكربون فى السيجارة الواحدة إلى 42000 جزء إلى كل مليون جزء من الهواء الجوى.  لهذا فإن تدخين السجائر يزيد من نسبة هذا الغاز فى هواء الشهيق.

وينتج أول أكسيد الكربون أيضا من مواقد الفحم, ولهذا ينصح بعدم استعمال هذه المواقد والنوافذ مغلقة, حتى لا يتسبب هذا الغاز فى إزهاق الأرواح.

وتعد حركة المرور أكبر مصدر لتلوث الهواء الجوى بهذا الغاز.  ووفقا لدراسة أجرتها إدارة حماية البيئة فى الكويت,  تبين أن ما تنفثه السيارات من هذا الغاز فى هذه الدولة يبلغ نحو 8400 طن سنويا, فى حين تنفث الطائرات بمطار الكويت الدولى أكثر من 3500 طن.  أما حرق الوقود فى محطة التقطير بالشويخ فيؤدى إلى إطلاق 136 طن من أول أكسيد الكربون.

ويتصف هذا الغاز بقوة الروابط الكيميائية بين ذرتى الكربون والأكسجين المكونتين له.  ولا يوجد مركب كيميائى يتكون من ذرتين له هذه القوة.  وهو عديم اللون والطعم والرائحة,  وإن كان مذاقه حمضيا خفيفا جدا.  وهو شحيح الذوبان فى الماء.  ويشتعل بلهب أزرق فاتح اللون متحولا إلى غاز ثانى أكسيد الكربون.

وسمية أول أكسيد الكربون كبيرة وتكمن الخطورة فى عدم الإحساس بالغاز فى الوقت المناسب.  وهو يتحد مع خضاب الدم (الهيموجلوبين) بشراهة.

ومن المعلوم أن إحدى مهام خضاب الدم هى التقاط الأكسيجين ثم نقله إلى جميع أنحاء الجسم, أى أنه أشبه ما يكون بعربة خاصة لنقل الأكسيجين إلى الخلايا.  وعندما يختلط أول أكسيد الكربون بدم الأنسان فإن ثمة صراعا يدور بين هذا الغاز وبين الأكسيجين من أجل شغل "المقاعد" الموجودة فى خضاب الدم.  وهو صراع غير عادل لإن أول أكسيد الكربون أقوي من الأكسيجين بنحو ثلاثمائة مرة,  وبالتالى,  تقل نسبة الأكسجين فى الدم  بشكل لا يفى بحاجات الجسم الضرورية منه.  وينجم عن نقص الأكسجين فى الدم زيادة ضخ القلب للدم,  وهو أمر يؤدى إلى إجهاد عضلة القلب وإلى زيادة معدل النبض, فضلا عن حدوث ضيق فى التنفس وتصلب الشرايين, وانخفاض فى نسبة الأكسيجين التى تصل عادة إلى خلايا الجسم.  وقد وجد أن أكثر الأعضاء تأثرا بانخفاض نسبة الأكسيجي: الدماغ والجهاز العصبى.

ويتصف خضاب الدم بشدة عشقه لأول أكسيد الكربون, حيث يتحد معه بسرعة أكثر من اتحاد الأكسيجين, ويتكون نتيجة لذلك مركب (كاربوكسى هيموجلوبين) الذى يقلل من قدرة الدم على استخلاص الأكسيجين من الهواء المستنشق يوما بعد أخر.  وتؤدى زيادة نسبة امتصاص أول أكسيد الكربون إلى حدوث اضطراب فى كرات الدم البيضاء,  مما يترتب عليه حدوث إصابة بالأمراض الخبيثة أو الوفاة.  وارتفاع نسبة هذا الغاز فى الدم تصيب الشخص بالخمول,  وتضعف قدرته على التمييز والحكم على الأشياء.

وقد دلت الدراسات التى قام بها مجموعة من الأطباء أن تركيز غاز أول أكسيد الكربون الموجود فى عادم السيارات بنسبة 66% وفى السجائر (بمقدار 20 الى 80 جزئ فى المليون) له آثار ضارة على صحة الإنسان وسلامته وبخاصة على سمعه وبصره.

وإذا علمنا أن متوسط عمر مركب (الكاربوكسى هيموجلوبين) يبلغ نحو ساعتين ألى أربع ساعات, فإن الجسم يحتاج إلى ست ساعات حتى يتم فصل أول أكسيد الكربون عن خضاب الدم وطرده عن طريق الرئتين.  وبناء على ذلك فإن عملية إنقاذ الأشخاص المصابين بالتسمم الشديد بهذا الغاز تعد عملية صعبة طبيا, حتى لو تم العلاج سريعا, حيث يموت البعض, فى حين يصاب البعض الآخر بأضرار مؤقتة أو دائمة فى الجهاز العصبى, وفى الرؤية, والقدرة على الكلام.  ولذلك فإن أفضل الطرق لعلاج هؤلاء الأشخاص هى إجراء التنفس الصناعى واستبدال الدم.

وتشمل أعراض التسمم المزمن بأول أكسيد الكربون الناجم عن التعرض المتكرر أو المستمر لكميات قليلة منه: فقر الدم, واضطراب وظيفة العقل, ويؤدى استنشاق مقادير ضئيلة من الغاز إلى حدوث نقص طفيف فى الأداء.

وتجدر الإشارة إلى أن دم الإنسان العادى يحتوى على نحو نصف فى المائة من الكاربوكسى هيموجلوبين فى الظروف الطبيعية المعتادة.  أما المدخن فتزيد نسبة هذا المركب على 5% وقد تصل إلى 16% اعتمادا على مقدار ما يدخنه من سجائر.  وتزيد على ذلك عند الشخص الذى يدخن السيجار.

ويؤدى استنشاق سائقى السيارات والمركبات لغاز أول أكسيد الكربون إلى وقوع الحوادث.  فقد ثبت أن هذا الغاز يؤدى إلى فقدان السائق لوعيه أو ضعف ردود الفعل لديه. ويعتقد بعض مسئولى المرور أن هذا الغاز هو السبب فى جعل عدد كبير من السائقين ينامون على عجلة القيادة, أو يخرجون عن الطريق دون سبب ظاهر.

ويمكن أن تعزى حالات التسمم بأول أكسيد الكربون إلى عيوب فى جهاز عادم السيارة (مثل تسرب الغاز من أنبوب العادم أو وجود ثقب فى كاتم الصوت, أو وجود أنبوب غير محكم أو طوق تالف).  ويمكن أن يؤدى أى من هذه العيوب إلى تسرب الأبخرة داخل السيارة بدلا من دفعها إلى نهابة أنبوبة العادم لكى تنطلق فى الهواء.

ولهذا ينصح بفحص جهاز العادم بانتظام, وفتح نافذة السيارة أثناء قيادتها فى طريق مزدحم بالسيارات التى تسير ببطئ, مالم يكن معروفا أن جهاز التكييف فى السيارة يعمل على تنقية الهواء, وإيقاف المحرك والخروج من السيارة عند الشعور بالرغبة فى النعاس.

وقد أظهرت دراسة حواذث الطرق أن ارتفاع نسبة الغاز فى وقت الأزدحام المرورى يؤدى إلى حدوث إغماء لدى قائد السيارة يجعله عاجزا عن القيادة بصورة سليمة.  كما ثبت أن كثيرا من حوادث التصادم بين السيارات يقع بسبب ارتفاع نسبة الكاربوكسى هيموجلوبين فى دم السائق.

ومن نعم الله علينا أن أول أكسيد الكربون تتم أكسدته بفعل عوامل طبيعية إلى ثانى أكسيد الكربون,  ولبعض أنواع البكتريا التى تعيش فى التربة دور كبير فى ذلك.  وهذا من لطف الله بعباده, لأنه لو ترك هذا الغاز القاتل وشأنه لزادت نسبته إلى الحد الذى تصبح الحياة معه مستحيلة.


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة