من أجل التصنيع وتحديث الزراعة!

العراق - ابتلي العراق قبل سقوط النظام العراقي برؤية الليبرالية الجديدة المشوهة للتنمية, وازداد هذا البلاء بعد سقوط النظام بحكم فرض الاحتلال على العراق وسياسة جورج دبليو بوش التي نفذها بول بريمر خير تمثيل لصالح القوى الطائفية والقوى غير الراغبة في التنمية وتصنيع العراق وتحديث زراعته, ابتلى بفئات اجتماعية ترى في التجارة أسهل الأمور وأفضلها وفي أموال النفط أحسن الوسائل لتأمين الاستيراد دون إتعاب الرأس ودون التفكير في عملية تصنيع البلاد وتحديث زراعته وتنمية موارده وتخليصه من التخلف ووحدانية المورد المالي الريعي وأعني به النفط وليس غيره.

إن هذا التوجه الليبرالي الجديد المتطرف والمشوه في آن, الذي تتخلى عنه الآن حتى الولايات المتحدة الأمريكية واقدم الرأسماليات في العالم, يتشبث به الكثير من القادة السياسيين في العراق نظرياً وعملياً, رغم أن البعض منهم لا يزال يميل إلى شيء آخر, ولكنه محكوم بمسيرة السلطة الراهنة التي وضعت خطوطها العامة الإدارة الأمريكية وخاصة بول بريمر والتي لم يتمكن العراقيون حتى الآن الظخلاص منها لأن هناك من يمثلها في السلطة العليا في العراق وفي المتنفذين بالعراق فعلاً.
إن هذا الواقع يتطلب من القوى الاجتماعية التي تريد بناء المجتمع المدني وعدم الإبقاء على المجتمع الزراعي المتخلف والعلاقات العشائرية ودور المؤسسة الدينية المهيمنة والمتحالفة مع القوى العشائرية الأقل اهتماماً بالمجتمع المدني التحالف والتكاتف والعمل المشترك. وليس هناك من ينهض بهذه المهمة غير البرجوازية الصناعية والطبقة العاملة وكلاهما فاقد للتأثير في عراق اليوم, إضافة إلى المثقفين الديمقراطيين المبعدين فعلياً عن العملية الاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية في العراق.
إن تغيير وجه العراق الراهن وبناء عراق جديد ومجتمع جديد يستوجب تغييراً في بنيته الاقتصادية والاجتماعية ووعيه الديني والاجتماعي. ولكن هذه المهمة لن تتم بالقوى الحالية المهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي والثقافي في العراق, بل تتم عبر وجود البرجوازية الوطنية الصناعية والفئة المثقفة في السلطة, وعبر نشاط فعال وحيوي للطبقة العاملة والفلاحين, سواء بمشاركتها بالسلطة أم بدعم التوجهات السياسية الديمقراطية والتقدمية التي تعيد بناء العراق الجديد وتبني الصناعة والزراعة  وتقلل من هيمنة  رأس المال التجاري على البلاد الذي يمنع عملياً التصنيع ويعتمد على موارد تصدير النفط المالية للاستيراد بها سلعاً تغرق الأسواق المحلية وتحارب ما تبقى من منشآت صناعية صغيرة ومتوسطة وصناعة حرفية صغيرة في الوطن.
إن النداء موجه إلى الشعب العراقي كله, ولكن بشكل خاص إلى البرجوازية الوطنية الصناعية, إلى اتحاد الصناعات العراقية واتحاد رجال الأعمال الصناعيين, وإلى ما تبقى من الطبقة العاملة العراقية, وإلى الفلاحين الذين أجبروا عملياً على هجرة الريف وتكوين فئة اجتماعية هامشية حول المدن, وإلى المثقفين الديمقراطيين الذين يدركون أهمية الصناعة والزراعة وبناء المجتمع المدني ولكن لا حيلة لهم حتى الآن, وإلى البرجوازية الصناعية الحرفية الصغيرة التي لا تجد مجالاً لمواصلة إنتاجها الصناعي بسبب المنافسة الأجنبية الحامية ضدها, إلى كل هؤلاء أوجه ندائي, إلى  الأحزاب السياسية التي تحس وتشعر بأنها ديمقراطية وتريد تنمية العراق وتغيير بنيته الاقتصادية والاجتماعية حقاً وتحسين مستوى معيشة الفئات الاجتماعية الكادحة, إلى كل هؤلاء وإلى بعض أولئك الذين يتربعون بارتياح على بعض كراسي الحكومة الدافئة ولكنهم لا يدركون بأنها ستكون باردة جداً عليهم وعلى الشعب, أن ينهضوا جميعاً لتغيير وجهة التطور السياسي الطائفية وتغيير وجهة التنمية وتغيير واقع الفساد المالي والإداري وبالطرق السلمية والديمقراطية وعبر النضال اليومي وتعبئة الناس لصالح تلك الأهداف التي في مقدورها وضع العراق على طريق جديد لا يلهث وراء التجارة فقط ويستهلك أموال النفط دون تحقيق التراكم الضروري في النصاعة والزراعة  والبنية التحتية وتعظيم الثروة الوطنية وتغيير بنية الدخل القومي ورفع معدلات نموه وزيادة معدل حصة الفرد الواحد السنوية ومنه وتغيير واقع توزيعه وإعادة توزيعه لصالح المجتمع والاقتصاد الوطني.

المصدر: جريدة المدى


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة