الحرف الصناعية فى الميدان التربوى
وعلى سبيل المثال فن النجارة اليوم لم يعد لونا من الفنون الشاقة يحتاج إلى عمل مضن, بل أصبح فنا تحرريا يقوم على نواح ابتكارية وكأنها رياضة ذهنية, لذلك فالنشاط اليدوى أصبح جزءا لا يتجزأ من الإنسان, فهو مفيد له حتى لو كان يعمل فى ميادين النشاط الفكرى, وعلاوة على ذلك فالاشغال بالخشب يتطلب الحساب والتفكير, فهى ممارسة مليئة بخبرات ومهارات وثقافات واسعة ومتطورة, فأضحت بابا للمعرفة ومجالا للنشاط العقلى واليدوى فإذا ما أعطى الطفل مثلا طاقما من الأدوات ليلعب بها, كان أحب ما فيه إليه المطرقة أو الشاكوش, وذلك لأن دق المسامير دقا محكما فى أى شئ عمل سهل وسار, وعلاوة على ذلك فإن الدق بالشاكوش أو النشر بالمنشار, يحدث جلبة مطربة له.
ويقول المربون إن أشغال الخشب تنمى فى التلميذ القوى الحركية والعقلية, وتنشط حواسه وعقله معا, وتشعره بالسرور عندما يصنع عملا ما.
وخامة الخشب التى استمر استخدامها قرونا طويلة, توفر لنا إرثا من التقاليد التى التزمها الشعب من خلال إنتاجه عبر العصور, كما يستطيع الإنسان أن ينمو بفكره عن طريق اتصاله بالأعمال العظيمه المنفذه فى المتاحف والقصور عبر العصور. فزيارته للمتاحف تنمى فى نفسه احتراما لذلك العمل الذى يقوم عليه فن النجارة, وتجعل حوارا ديموقراطيا يدور بين التلميذ ومعلمه على الماضى والحاضر, ويقول بعض المربين إنه ليس من العيب فى شئ أن نستحضر نجارا أتقن حرفته وخلق له مجالا اشتهر به, ليقوم بالعمل أمام التلاميذ, فيتدارس مع معلمهم كيفية استغلال هذه المعرفة فى إنتاج أشياء مبتكرة.
والقيم التى يحصل عليها الفرد من وراء اشتراكه فى نشاط كأشغال الخشب مثلا كثيرة, فقد وجد أن العمل باليدين يعيد الاضطرابات الجسمانية والنفسية والعقلية إلى حالتها الطبيعية وأن هذا النشاط اليدوى يخفف من التوتر العصبى, ويهدئ النفس ويجدد النشاط, فخلال ذلك يستطيع الناس البسطاء والمتعلمون على السواء أن ينالوا حظهم من الخبرة والتجريب والأبتكار, والمعلم هنا بمثابة حجر الزاوية فى النظام التعليمى كله, كما يقول على مبارك, فالمعلم هو المربى الأول والمنفذ لخطط وبرامج التعليم كلها, فقد وضع شروطا هامة كى يصبح المعلم صالحا مستنيراو متفهما لرسالته التى تأتى على خير ما يرجى منه, نتيجة تعليمه وتوجيهه.
المصدر: كتاب النجارة العربية فى مصر
تفاعل مع الصفحة