انقلاب رقمي في الصناعات المنزلية الصغيرة

أثناء العصر الفيكتوري، كانت المرأة التي تريد تعزيز دخل الأسرة تلجأ إلى الخياطة. أما اليوم فإن المقابل المعاصر لهذه المرأة من نساء القرن الحادي والعشرين، يدخلن إلى الإنترنت في المساء، ويحققن الأرباح من المدونات اليومية والأبحاث حسب الطلب، وبيع البضائع على موقع إي بي EBay، مع انتشار اتصالات الإنترنت السريع على نطاق واسع، ما أدى إلى نشوء نطاق متزايد من الصناعات الرقمية المنزلية الصغيرة.

عدد الأشخاص البريطانيين الذين لديهم تعاملات تجارية مع موقع إي بي، ارتفع بنسبة 160 في المائة خلال السنتين السابقتين ليصل إلى 178 ألف شخص. موقع بيبول بير أور Peopleperhour، وهو موقع متخصص في السماح للناس بالإعلان حسب الطلب وتقديم خدمات مكتبية، شهد عدد الأشخاص المقيدين لديه وهو ينمو من 5500 شخص قبل سنة، ليصبح العدد الآن 21500 شخص.

تقول إيما جونز وهي مؤسسة موقع إنتربرايز نيشن Enterprise Nation على الإنترنت، المتخصص في الأعمال التي تدار من المساكن: نشهد ارتفاعاً هائلاً في الاهتمام بالأعمال المكتبية من المساكن مقابل أجر. يتلقى الموقع نحو 60 ألف زائر كل شهر، وخلال الأشهر الستة الأخيرة كان هناك تغير في طبيعة الاستفسارات. في البداية كان هناك فقط الأشخاص الذين يديرون أعمالهم من مساكنهم بصفة رئيسية. أما الآن فهناك عدد كبير من الناس الذين يعملون أثناء النهار مع شركة معينة، ولكنهم يبحثون عن دخل إضافي.

الأشخاص الذين يتمتعون بالمعرفة التكنولوجية يستطيعون كسب المال من تصميم المواقع على الإنترنت، أو من تصميم برامج خاصة بالهواتف الجوالة في الفترة الأخيرة، مثل الألعاب البسيطة أو برامج إنتاجية.

قدُّم نحو 40 ألف طلب إلى موقع آب ستور App Store، التابع لشركة أبل والمتخصص في بيع برامج كمبيوتر صغيرة لاستخدامها في جهاز آي فون، التي تم تصميم عدد كبير منها على أيدي هواة لا يحملون معهم، إلا قدراً يسيراً من المعرفة ببرمجة الكمبيوتر وبعض الأفكار النيرة.

التطبيقات التي توضع على الهاتف الجوال، التي تحقق مرتبة على قائمة أفضل 100 برنامج تستطيع توليد آلاف الجنيهات الاسترلينية لأصحابها، رغم أن عدداً قليلاً للغاية من الناس يصل إلى هذه المرتبة.

تعمل الشركات كذلك على توسيع قوائمها من الموظفين الافتراضيين. شركة أرايز Arise الأمريكية توظف الناس في بريطانيا للعمل من مساكنهم ليقوموا بخدمة مراكز الاتصال، أو تسجيل الاستفسارات من زبائن شركة ليتل وودز Littlewoods، من خلال الدخول عن بُعد إلى نظام الكمبيوتر في الشركة.

كلير ترافيرس سميث، منتجة تلفزيونية تبلغ من العمر 28 سنة، هي واحدة من ألف شخص يعملون كباحثين مستقلين لدى شركة إيه كيو إيه AQA 63336، وهي خدمة للأسئلة والأجوبة من خلال الهاتف الجوال. وهي تسجل الاستفسارات حول أي شيء، من مواعيد القطارات إلى معنى الحياة، وتتلقى 30 بنساً عن كل سؤال تتم الإجابة عنه. وهذا يصل إلى مبلغ شهري مقداره 600 جنيه استرليني، تستفيد منه في تسديد الفواتير حين تكون بلا عمل بين التعاقدات على البرامج التلفزيونية. بعض الباحثين النشطين لدى شركة إيه كيو إيه AQA، يستطيعون أن يكسبوا نحو ثلاثة آلاف جنيه في الشهر.

تقول ترافيرس سميث: هذا أمر رائع. كل ما عليك هو البقاء في البيت والعمل وأنت في البيجاما. وكل ما تحتاج إليه هو وصلة مع الإنترنت. وهي تسعى الآن لتوسيع عملها على الإنترنت لتصبح ناشرة للنداءات النصية على الهاتف الجوال، وهي خدمة أطلِقت حديثاً من قبل إيه كيو إيه AQA. يشترك المستخدمون في هذه الخدمة حتى يتلقوا رسائل نصية حول مواضيع معينة.

على سبيل المثال تعرض ترافيرس سميث خدمة تُعَلِّم المشتركين كلمة جديدة كل يوم، وخدمة أخرى لإرسال الرسائل النصية حول نشاطات ممتعة أو غريبة، لتغيير الجو الرتيب في عصر يوم ممل. الفكرتان من اختراعها، ولكن شركة إيه كيو إيه AQA هي التي تؤمن النظام الذي يتيح لها نشر هذه الرسائل، وتقتطع منها نسبة مئوية مقابل ذلك.

المبلغ الذي تكسبه ترافيرس سميث عن كل رسالة يعد زهيداً، ولكن حتى حين يكون لديها نحو 20 مشتركاً فقط، فإن الأرقام تأخذ في التضاعف. وتقول: كنت أصلاً أدخل إلى موقع تويتر Twitter وتسجيل مدونة لي لا لشيء إلا للمتعة، وبالتالي فإن من اللطيف أن أفعل شيئاً قريباً من ذلك، وأحصل على دخل لا بأس به.

تقول جونز من شركة إنتربرايز نيشن: التكنولوجيا عامل تمكين أساسي بالنسبة للأشخاص الذين يؤدون هذه الأعمال من مساكنهم. كل إنسان يحتاج اليوم إلى موقع على الإنترنت، والناس يستخدمون التكنولوجيا على نحو مبتكر. إنهم يسجلون في موقع تويتر للإعلان عن أنفسهم، واستخدام برامج وتكنولوجيات لإدارة المشاريع على الإنترنت مثل "سكايب" Skype لإدارة أعمالهم، وهي أعمال لم يكن هناك سبيل لنشوئها من قبل.

فرص أخرى لتحقيق دخل إضافي تتركز حول فضاء المدونات الإلكترونية. برنامج آد سينس Adsense من شركة جوجل، يتيح للناس وضع إعلانات على مواقعهم الخاصة على الإنترنت.

وفي حين أن معظمهم لا يحقق دخلاً كبيراً، إلا أن أصحاب المدونات المشهورين، يتفاوضون لإبرام عقودهم الخاصة بهم مع شركات الدعاية والإعلان، وهذا يتيح لهم الحصول على مبالغ أكبر.

لكن ليس كل شيء قابلاً للنجاح. على سبيل المثال أنشأت تيريزا ستيفنتون عدداً من المواقع لصالح شركة زليو Zlio، التي تتيح للناس إنشاء محلات ومتاجر افتراضية لترويج البضائع، مثل الكتب والأحذية أو الأزياء التي تبيعها شركات التجزئة الرئيسية.

الهدف من ذلك هو توجيه المشترين الراغبين إلى مواقع شركات التجزئة المذكورة نفسها، ويُعطى الوسيط عمولة صغيرة إذا تمت عملية البيع. موقع مِس شو التابع لتيريزا كان واحداً من أكثر محلات الأحذية شعبية في النظام. ولكنها كسبت أقل من ثمانية جنيهات خلال 18 شهراً.

وتقول: ربما يكون كل ما تستطيع كسبه من هذا الباب هو مبلغ صغير. كنت أمضي وقتاً كثيراً وأنا أصمم الموقع، ولكنني لم أكن أكسب أي شيء.

الجانب السلبي بالنسبة للصناعات العائلية الصغيرة، وهو جانب كان سلبياً في القرن التاسع عشر ويظل سلبياً في الوقت الحاضر، وهو دوماً الأجور المتدنية.

لعل أكبر الجهات التي تحقق المكاسب العالية، هي الشركات الكبيرة التي تستفيد من هذا الاتجاه العام من خلال تقديم الخدمات لأصحاب المشاريع الرقمية الناشئين. على سبيل المثال، فإن شركة مو. كوم Moo.com، التي تطبع بطاقات أعمال ذات تصاميم خاصة، شهدت ارتفاعاً كبيراً في أعمالها من الأشخاص الراغبين في الترويج لأعمالهم الرقمية الجانبية.

لكن حتى وإن كان الاحتمال أمام هذه الأعمال هو كسب أموال صغيرة، فإن الضغوط المالية في فترة الركود الاقتصادي، تعني أن كثيرين سيظلون يشعرون بالإغراء للدخول إلى الإنترنت وتجربة حظهم.

منقول من: جريدة الإقتصاد الإلكترونية


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة