تاريخ صناعة الورق

في العصور القديمة بدأ الإنسان يتخذ من ألواح الحجارة سجلا يحفر عليها ذكرياته الهامة كالحروب والمعاهدات والاتفاقيات وغيرها من الأحداث التاريخية, فكان ينقش على هذه الحجارة كل ما يريد تسجيله وتدوينه, وآثار المصريين القدماء والآشوريين خير شاهد على ذلك, وكما يقال أيضا بأن الوصايا العشر التي تنتسب إلى سيدنا موسى عليه السلام كانت منقوشة على ألواح حجرية.

ولما كان نقل هذه الألواح الحجرية صعبا لضخامتها أو ثقل وزنها فقد لجأ القدماء إلى استخدام مواد أخرى مثل الطين الجاف أو العظام أو المعادن أو الجلود أو أي أنواع معينة من أوراق الأشجار أو الأقمشة المصنوعة من الكتان أو الحرير.

صناعة ورق البرد في مصر

ظل الحال كذلك إلى أن بدأ قدماء المصريين يصنعون ألواحا من الورق من سيقان نبات البردي  (papurus) الذي كان ينمو بكثرة على ضفاف نهر النيل وبحيراته.

وليس من السهل تحديد التاريخ الذي توصل فيه المصريون القدماء إلى صناعة الورق من نبات البردي غير أنه وجد في بعض مقابرهم لفافات من البردي يرجع تاريخها إلى عام 3500 قبل الميلاد.

أخذت صناعة ورق البردي تزدهر وأصبحت مصر تصدر كميات كبيرة منه إلى الخارج سواء على هيئة أفراخ منفصلة أو لفافات طويلة, وقد ظل علماء اليونان والرومان يستخدمونه في تدوين مؤلفاتهم حتى القرن التاسع الميلادي.

صناعة الورق في الصين

أجمع المؤرخون على أن الصين قد توصلت إلى اختراعها في صناعة الورق في عام 105 ميلادي تقريبا وذلك بمعرفة تساي لون (Tsai Lun) الذي كان يقوم بتحضير العينة (اللب) من شباك الصيد والخرق, ثم استخدم ألياف النباتات بعد ذلك في هذا الغرض.

وكانت طريقة صناعة الورق التي اخترعها تتلخص في غلي المواد الخام في درجة حرارة مرتفعة حتى تتفتت وتنفصل الألياف بعضها عن بعض, و يصفى المحلول من خلال منخل من الحرير, وتظل فوقه طبقة رقيقة من الألياف يتركها قليلا لتجف, ثم تؤخذ وتوضع فوقها حجارة ليصبح السطح متماسكا وناعما.

وفي عام 1904 عثر في تركستان إحدى قلاع السور العظيم للصين على مجموعة من الخطابات كتبت في عام 150 ميلادي على ورق مصنوع من الخرق.

وتحتفظ بعض المتاحف العالمية بعينات من هذا الورق الذي يضارع في صناعته الورق الذي يصنع حاليا من الخرق بالطريقة اليدوية. وقد ظلت صناعة الورق في الصين ما يقرب من 2000 سنة سرا من أسرارها التي احتفظ بها دون سائر بلاد العالم.

كيف تسربت أسرار صناعة الورق بالصين؟

أجمع المؤرخون على اكتشاف الطريقة التي تسربت أسرارها من الصين فقد حدث في أوائل القرن الثامن الميلادي أن امتدت فتوحات العرب إلى بلاد التركستان الحالية, واختلف زعيمان من زعماء القبائل التركية المجاورة لهذه البلاد ونشبت الحرب بينهما.  وكان أن لجأ أحدهما إلى العرب وطلب منهم حمايته, بينما أسرع الآخر وتحالف مع الصين التي هبت للوقوف بجانبه وخفت إلى مساعدته بإرسال بعض وحدات الجيش الصيني.  و وقف الجيشان العربي والصيني وجها لوجه ودارت رحى الحرب بينهما فترة من الزمن كان النصر في نهايتها حليف العرب الذين أخذوا يطاردون الجيش الصيني حتى سور الصين العظيم.  ووقع في أيدي العرب عدد كبير من الأسرى الصينيين.  ويشاء القدر أن يكون من بين هؤلاء الأسرى بعض العمال الذين يتقنون صناعة الورق في بلادهم,  وانتهز العرب هذه الفرصة وطالبوا الأسرى بتعليم العرب أسرار هذه الصناعة.  وهكذا بدأت صناعة الورق في سمرقند,  ثم انتقلت إلى بغداد حيث أقيم أول مصنع للورق في سنة 793 ميلادية وذلك في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد,  ثم مصنع آخر في دمشق ظل قرونا عديدة مصدرا رئيسيا لما تحتاج إليه البلاد الأوروبية من الورق الذي عرف باسم الورق الدمشقي (Charta Damascena).

انتشار صناعة الورق في شمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا

بدأت صناعة الورق تنتقل من العرب عن طريق مصر ومراكش ففي مصر أنشأ مصنع للورق من الخرق في القرن التاسع الميلادي حل تدريجيا محل الورق الذي كان يصنع من نبات البردي والذي ظل أكثر من 3000 سنة مستخدمة في مصر.  كما أقيم مصنع للورق في مراكش في عام 1100 ميلادي, ثم انتقل صناعة الورق منها إلى أوروبا, وأخذت تنتشر مصانع الورق في أقطارها بسرعة كما يتضح من البيان الآتي:

إسبانيا 1150 ميلادية

فرنسا 1189

إيطاليا (فابريانو) 1260

ألمانيا (نورمبرج) 1389

سويسرا 1400

بلجيكا 1407

هولندا 1428

إنجلترا 1490

السويد 1532

الدنمارك 1540

روسيا 1690

الولايات المتحدة الأمريكية 1690

النرويج 1698

وكانت صناعة الورق فيها تعتمد اعتمادا كليا على الصناعة اليدوية وبنفس الطريقة التي كان الصينيون يتبعونها وفي أول الأمر كان الورق يصنع فيها من الكتان الذي ظل المصدر الرئيسي من الخامات حتى عام 1800 حينما توصل كوبس الإنجليزي (Koops) إلى استخدام القش والأخشاب في صناعة الورق.  وفي عام 1841 توصل كيلر (Keller) لأول مرة إلى استخدام لب الخشب الميكانيكي (Mechanical wood pulp).

وفي عام 1857 كثر استخدام اللب الناتج من حشائش الإسبارتو (Esparto)  الذي ينمو بكثرة هائلة في الجزائر وإسبانيا. وفي عام 1866 أصبح لب الخشب الكيميائي (Chemical wood pulp)  مصدرا هاما لصناعة الورق.

المصدر

كتاب تكنولوجيا الخامات والمواد, تخصص طباعة, وزارة التربية والتعليم, مصر


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة