التعليم الفني.. نظرة دونية رغم الأهمية
السبب في ذلك يرجع إلى انعدام فرص العمل التي يوفرها هذا النوع من التعليم، هذا إلى جانب ضعف الاهتمام به من قبل الدولة، ولذلك فإن انتفاء هذين السببين في دول أخرى أنعش الإقبال على هذا النوع من التعليم.
مصر.. معدات قديمة وورش خربة
ويعتبر الطلاب المصريون هم الأكثر بغضا لهذا النوع من التعليم، وإن التحقوا به يكون بسبب أن مجموعهم لم يؤهلهم إلا لسواه.. ويرجع ذلك لتدني مستوى التعليم المهني، الذي يرجعه محمد محروس (مدرس تعليم صناعي) إلى ضعف الإمكانات بالمدارس وغياب الورش المجهزة التي يتم تدريب الطلبة فيها، وإن وجدت فهي معطلة أو بها معدات قديمة تدرب الطلبة على أجهزة غير موجودة بسوق العمل، بالإضافة لعدم انتظام عملية التعليم داخل الفصل للطلاب والمدرسين لأسباب ربما تكون مادية في جزء
منها.
وطالب أشرف عبد الموجود (مدرس بالتعليم الزراعي) بتغيير نظام التنسيق الخاص بدخول المدارس الفنية، حيث يكون التعليم الفني في مقدمة التنسيق وليس في ذيله، تلافيا لإقبال الطلاب المتأخرين دراسيا عليه، مع الاهتمام بضرورة تواجد مهارات وقدرات
خاصة لطلاب المدارس الفنية.
ويتفق مع عبد الموجود مجدي طلعت (مشرف التعليم الفني في مصر) في ضرورة رفع مستوى الطلبة من خلال رفع درجات القبول للتعليم المهني.
ويضيف حتى نتصدى لمشكلة التعليم الفني ونحلها حلا عمليا لا بد من ربط التعليم الفني بقطاعات الإنتاج المختلفة، وأن يتم الإشراف على هذه المدارس كلية من قبل مؤسسات الإنتاج، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة توفير فرص لدخول الجامعة متساوية مع طلاب لثانوية العامة.
وأكد أن مصر الآن تطبق نظام الجودة لتوفير فرص تدريبية للطلبة من خلال تعيين مدير جودة بكل مدرسة يشرف على جودة عملية التعليم والتدريب.
الإمارات.. التقاليد الاجتماعيه تبغضه
ولا يقتصر الأمر على مصر فقط، ففي الإمارات نبهت دراسة ميدانية نشرتها صحيفة "ذي ناشونال" بتاريخ 7-6 -2009 إلى قلة الوعي بأهمية الدراسات الفنية والمهنية بين العوائل الإماراتية، الأمر الذي يحول دون دفع الأبناء إلى الالتحاق بالمعاهد الفنية.
وأرجعت الدراسة التي أجرتها منظومة البحوث "يوجوف سيرج" سبب تدني مستوى التعليم الفني إلى بعض التقاليد الاجتماعية التي تنظر بدونية إلى المهن والحرف اليدوية في المصانع والفنادق، مما يجعل مراكز أعمال القطاع الخاص في الإمارات تقتصر على الأجانب.
وأخذت الدراسة من 2300 إماراتي شاركوا في الاستطلاع عينة من 77 أبا و74 طالبا تتراوح أعمارهم بين 14 و 16 من إمارة أبو ظبي ورأس الخيمة والعين حول مدى اهتمامهم بالدراسات الفنية.
وجاءت هذه الدراسة إثر حملة "توطين" التي تقودها مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي لتسهيل التحاق الشباب في العمل بالقطاع الخاص.
السودان.. ضبابية المستقبل
"منذ عام 1972م والتعليم الفني في السودان بلا مقررات ولا كتب، ولا يرغب أي مهندس في الالتحاق بالكادر التعليمي بهذه المدراس لفارق المرتبات الكبير والبيئة العلمية والعملية"، بهذه المقولة افتتح مدير إدارة التعليم الفني بولاية الجزيرة بالسودان محمد الحسن اسماعيل حديثه حول وضع التعليم الفني في السودان.
مضيفا أن المدارس الثانوية الفنية تعيش حالة إهمال وتيه بعد أن ألحق بوزارات التربية الولائية (الخاصة بكل ولاية) بدلا عن تبعيتها لوكالة التعليم الفني بوزراة التربية والتعليم الاتحادية بالسودان.
ويشتكي إسماعيل من أن الطلاب أصبحوا غير راغبين في الالتحاق بالتعليم الفني ولا يلتحق به إلا من أكرهته درجاته العلمية وتذيله ترتيب الطلاب في مرحلة الأساس على الالتحاق بهذا القطاع، ولا تتجاوز درجات الطلاب المتحصل عليها في شهادة الأساس (8 سنوات دراسية) ال150 درجة من 270 هي المجموع الكلي للدرجات.
ويعزي إسماعيل عدم إقبال الطلاب على هذا النوع من التعليم لضبابية مستقبل الطالب الأكاديمي، حيث يصعب عليه الالتحاق بالجامعة للتعسف الأكاديمي الواقع على القطاع.
لكن في المقابل هناك إقبال من طلاب الذين أكملوا مرحلة الأساس بنجاح على الالتحاق بمراكز التدريب المهني.
ويؤكد مدير الإدارة الفنية بالمجلس الأعلى للتدريب المهني بوزارة العمل السوداني إسماعيل الأزهري أن هناك 5725 طالبا من بينهم أعداد من الفتيات بمراكز التدريب القومية السبعة الموجودة في ولاية الخرطوم، بالإضافة لبضعة آلاف في سبعة مراكز منتشرة في الولايات الأخرى.
ولا يحظى جنوب السودان الذي خرج مؤخرا من الحرب بسوى مركز واحد للتدريب المهني بالعاصمة الجنوبية جوبا.. وبدأ القطاع الخاص مؤخرا في الاستثمار في هذا المجال وأسس 52 مركزا بها حوالي 3320 طالبا، ومنها ثلاثة خاصة بالفتيات.
ودخول القطاع الخاص إحدى المبشرات بازدهار هذا النوع من التعليم، حيث يقضي الطالب سنتين بمركز التدريب، بالإضافة لسنة ثالثة عملية بإحدى المؤسسات الصناعية ليتخرج بعدها عاملا ماهرا.
قطر.. شهادة معترف بها عالميا
خلافا للواقع المرير للتعليم الفني بالدولتين السابقتين تنفرد تجربة التعليم المهني في قطر بعدد من المميزات، ساهمت بشكل كبير في تغيير النظرة الدونية للتعليم المهني وخريجيه، وأدت إلى تزايد الإقبال عليه، مما دفع الدولة للتوسع فيه، ولا سيما مع تسارع النموالاقتصادي، والتوسع في قطاع الطاقة بجانب الازدهار في قطاع الخدمات والاتجاه لتقطير الوظائف.
وأوضح محمد بهلول، مدير مدرسة قطر التقنية الثانوية المستقلة (المدرسة المهنية الوحيدة في قطر)، أن أولى مميزات التعليم الفني في قطر هي أن خريجي المدرسة يحصلون على شهادة معترف بها عالميا؛ لأن المدرسة تعتمد على نظام TAFE الأسترالي المعترف به على مستوى العالم، والذي يعتبر معيارا دوليا في مجال التعليم التقني.
وفي هذ السياق أشار مدير المدرسة التقنية إلى أن هناك أقسام الكمبيوتر والميكانيكا والآلات الدقيقة وتشغيل المصانع والكهرباء، واستجابة لحاجة السوق فإن المدرسة بصدد إنشاء قسم للاتصالات، وأوضح أن 70% من خريجي المدرسة يتوجهون للقطاع النفطي في البلاد، ولا سيما شركة قطر للبترول.
وحول إذا ما كانت مدرسة واحدة تكفي لسد حاجات سوق العمل في قطر، ولا سيما مع النمو الاقتصادي المستمر داخل البلاد، كشف بهلول أنهم بصدد إنشاء 5 مدارس جديدة أخرى، 4 منهم للبنين والخامسة للبنات.
والبرنامج التعليمي في المدرسة ينقسم إلى تدريس داخل الصف (50%) بالنسبة للمواد الأكاديمية العامة والمواد التخصصية، وإلى التدريب العملي في الورش والمختبرات (50%)؛ وتحتوي المدرسة على أحدث التجهيزات وتقدم برامج حديثة متكاملة تتضمن
التدريب والتطبيق العملي.
وتشهد مدرسة قطر توافد قوافل من مسئولي كبريات الشركات لإبرام اتفاقيات مع الخريجين المتفوقين وتقديم منح لهم لمتابعة دراستهم الجامعية، قبيل الالتحاق بالوظيفة.
فلسطين.. فرص عمل للخريجين
وإذا كانت التجربة القطرية قد نجحت لجمعها بين تطوير الدراسة وتوفير فرص العمل، فإن الوضع في فلسطين وإن كان لا يرقى للتجربة القطرية، فإن الإقبال على المدارس الفنية هناك مدفوع بتقاليد اجتماعية لا ترى فيه مشكلة، بل تحبذه لأنه يوفر فرص عمل في ظل
انعدام الفرص في العمل الحكومي.
ويقول عبد الرحمن محمد أحد الذين تخرجوا في المدارس المهنية إن التحاقه بالتدريب المهني وفر له حياة كريمة ويضيف : "لم أوفق في دراستي بالمدرسة، فالتحقت بإحدى المدارس الصناعية.. تعلمت فن السباكة وأجدتها..واليوم هذه المهنة مصدر رزقي ودخلي الوحيد".
وبعد أن تعلم ميكانيكا السيارات في إحدى مراكز التدريب المهني تمن الشاب أحمد (من غزة) من فتح كراج خاص به لتصليح السيارات ليكون نواة لحياته القادمة.. أحمد يؤكد ل"إسلام أون لاين" أن التدريب المهني مهم جدا وبإمكانه المساهمة في تنمية عجلة المجتمع.
وينقسم التدريب المهني في فلسطين إلى تدريب طويل الأمد مدته سنتان لإعداد عمال مهرة وإلى قصير الأمد (5 : 8 أشهر) لإعداد عمال محدودي المهارة.
ويوجد نوعان من المؤسسات التدريبية، المؤسسات التي تقدم برامج تدريب رسمية وهي: كليات المجتمع وفلسطين التقنية، المدارس الثانوية المهنية، ومؤسسات تقدم برامج تدريب شبه رسمية، وهي مراكز التدريب المهني التابعة لوزارتي العمل والشئون الاجتماعية، مراكز التدريب المهني التابعة لوكالة الغوث الدولية (الأونروا)، مراكز التدريب الخاصة.
وتشمل برامج التعليم المهني في المدارس الثانوية المهنية 18 برنامجا يتم تقديمها في 21 مدرسة بالضفة الغربية وقطاع غزة، ويمكن تصنيف هذه البرامج إلى ثلاث مجموعات: (برامج التعليم الثانوي الصناعي, برامج التعليم الثانوي الزراعي، برامج التعليم الثانوي التجاري).
المصدر: اسلام اون لاين (المقال منذ شهر يوليو 2009)
تفاعل مع الصفحة