في مصنع صغير لصناعة الزجاج والخزف في مدينة الخليل، مع معملين آخرين فقط بقيا يصارعان عجله الحياة وتمدنها ويحافظان على تراث الأجداد، فالمعمل صغير بإمكانيته وقديم في أدواته لكنه كبير في قيمته الثقافية والصناعية .. فهو يحمل مورثا ثقافيا تناقلته الأجيال في مدينه الخليل منذ أكثر من 500 عام ، كما يقول فارس النتشه صاحب "مصنع السلام لصناعة الزجاج والخزف اليدوي" ويضيف "أن هذه الصناعة اليدوية ما زالت عائلتي "النتشه" تحافظ عليها منذ عهد الأجداد ونحرص على توريثها للأجيال الجديدة حتى نحافظ على هذه الهوية والمعلم لمدينة الخليل، ونتخذ من هذه المهنة باب رزق، وعلامة تجارية ثقافيه غرست في تقاليدنا.
صناعات على وشك الانقراض
وتعاني الصناعات الحرفية واليدوية الفلسطينية، صناعة الزجاج الملون، والتطريز، والخزف، والحفر على الخشب ، من خطر الانقراض في ظل عزوف ورفض الأجيال الجديدة لممارسة مهنة الإباء والأجداد و والتوجه إلى الصناعات الحديثة ومهن اخرى، وبسبب قلة المردود المادي لهذه الصناعات ،والإهمال من الجهات والمؤسسات ذات العلاقة. وعلى سبيل المثال فحارة" القزازين" في البلدة القديمة للخليل التي ما زالت تحمل هذا الاسم وان لم يبق أي معمل بها أو من يشتغل في هذه الصنعة، بسبب الاغلاق والمضايقات من المستوطنين والجيش الاحتلال الإسرائيلي، كما يقول النتشه. أضف إلى ذلك اعتماد هذه الصناعة على قطاع السياحة المعدوم في مدينة الخليل ، والصعوبة في تسويق منتجاتنا بسب الاغلاق والحواجز العسكرية ،وصعوبة التسويق داخل الأسواق الإسرائيلية. وكذلك نجد صعوبة في تصديرها الى ارويا بسبب صعوبة التخليص الجمركي على الموانئ الإسرائيلية . فتكاد منتجاتنا تغطي مصاريف العمال وتكاليف الشحن والتصدير
نحافظ على" تراثنا وبيئتنا"
أما عارف النتشه وهو شاب ورث مهنته منذ نعومة أظافره ويعمل في هذه الصنعة منذ 16 عام فيتحمل عناء حرارة فرن لصهر الزجاج كما يقاوم خطر انقراض هذه الصنعة، ويتخذ من أنبوبه المعدني الذي يشكل به الأواني الزجاجية مزمار موسيقيا ينفخ به ارث الأجداد ويشكل قطعا وإشكالا زجاجيه تدهش الأنظار.
ويقول عارف أن هذه الحرفة ليست للحفاظ على مورثنا وتراثنا الثقافي فحسب بل بها نحافظ على البيئة أيضا، من خلال استخدام الزجاج المستخدم والمكسر الذي نجمعه من الشوارع ونقوم بصهره في فرن تصل درجة حرارته إلى 1400 درجه نستخدم الزيت المحروق من مخلفات المركبات وقودا له .
وأضاف أما عملية تشكيل الزجاج فتحتاج لمهارة عاليه من خلال استخدام مقابض و أنبوب معدني يتم النفخ به وتحريكه بطريقه يدوية فنيه حتى نتشكل قطع فنيه المطلوب تصنيعها بغاية الجمال ، ثم يتم وضعها في فرن تصل درجه حرارته إلى "400" درجه حتى يحافظ على صلابته وتستمر عملية التبريد تدريجيا ، ثم تأتي مرحلته الأخيرة وهي الرسم على الزجاج حيث يتم رسم زخارف على الأواني لأبرز المعالم التاريخية الفلسطينية وعبارات تعبر عن آمال الاستقلال والسلام .
وعندما تتجول بين الأواني الزجاجية في معرض المصنع ترى عبق الماضي وإرث الأجداد ، فالمكان أشبه بمتحف للقطع النفيسة من مزهريات وكؤوس وكرات زجاجيه، وفوانيس وإطباق مزخرفه، فقوس قزح لا يفارق المعرض نتيجة تمازج الوان الزجاج مع أشعة الشمس.
وتلاقي هذه الصناعة اقبالا من السياح في مدينة الخليل على قلتهم، لشراء التحف والهدايا وكذلك الاستمتاع بعمليه التصنيع والتقاط الصور للذكرى كما تقول السائحة الألمانية " ماري براغيت" من مدينة اشتقرت، التي ترى أيضا أنها توفر فرصة التعرف على الفن الشرقي وثقافته وتقاليده.
وتعتبر الصناعات الحرفية التقليدية هوية وطنية ثقافيه لكل مدينة فلسطينية لها طابعها وتقليدها الخاص، تتطلب جهودا للحفاظ عليها تتعدي النطاق الفلسطيني لإنقاذ هذا الموروث الحضاري الصناعي والثقافي العالمي.
منقول من:الجزيرة تاك