تطوير أحياء الزبالين يبدأ بوقف إنشاء المدافن

مصر - الحكومة قامت بنقل الزبالين إلى منشية ناصر بعد تاريخ طويل من التهجير الإجبارى. ففى النصف الأول من القرن العشرين، قامت بنقلهم من أماكن تجمعاتهم 5 مرات ما بين شبرا وأرض اللواء وإمبابة وعرب الحصن وعزبة الورد، ثم إلى منشية ناصر فى 1960. لم تقم الحكومة أبدا بإزالة منازلهم العشوائية، لأنها تعلم أهميتهم فى حفظ نظافة القاهرة، إلا أنها كانت تكتفى بنقلهم بعيدا عن الزحف العمرانى. «كل ما كان العمران يقرب من النواحى اللى عايش فيها الزبالين، كانت الحكومة تنقل سكنهم لمكان تانى».

خصصت الحكومة مكانا للزبالين على أطراف طريق الأتوستراد، الذى كان وقتها مدق ترابى. شعر الزبالون أنهم مازالوا مهددين بالنقل إذا وصلهم التوسع العمرانى، فلاذوا بجبل المقطم ليبنوا بأيديهم منشية ناصر. مهمة الزبالين فى هذه الفترة كانت تقتصر على تخليص المدينة من القاذورات، ولم يكن هناك سوى أنشطة بدائية فى الفرز والتدوير تحديدا للورق والكارتون.

«فى سنة 1982 ظهرت
فكرة الصناعات الصغيرة»

على يد جمعية أهلية هى «جمعية رعاية رجال جمع القمامة»، وبتمويل دولى من منظمة أوكسفام الأسترالية.

آلات شديدة البدائية ككسرات البلاستيك والزجاج. ساهمت هذه الصناعات فى زيادة دخل سكان المنطقة بشكل كبير. إلا أن الأهم هو أن تلك الآلات البدائية تطلبت إدخال الكهرباء ودفع فواتير مقابل الحصول على هذه الخدمة. ما أعطى الشعور بالاستقرار للزبالين، وأنهم أخيرا يستطيعون أن يستقروا دون خوف من تهجير آخر.

خلال 20 عاما، ازداد عدد الصناعات الصغيرة القائمة على التدوير، وأصبح لدى أهالى المنطقة القدرة المادية الكافية لبناء مساكن وعمارات خاصة بهم، بدلا من العشش وبيوت الطوب اللبن التى اعتادوا العيش فيها.

كان المفروض الحكومة تقول للزبالين
هنا مكان سكن، وهنا مكان شغل»

«لكن ده طبعا محصلش». وكان هذا سببا رئيسيا فى العديد من المشكلات بمنشية ناصر.

المشكلة الأولى: أن الورش الصغيرة تضاعف عددها وصارت مصدرا للإزعاج والأدخنة المدمرة للصحة، «كل واحد ساكن فى بيت تحته كسارة بتخرج أدخنة بلاستيك وأمونيا».

المشكلة الثانية: أنها ورش تفتقر للأمن الصناعى، ومليئة بالمواد القابلة للاشتعال. حريق صغير بمكان لفرز الكارتون والورق قد يكون كفيلا بكارثة تقضى على المنطقة بأكملها.

المشكلة الثالثة: أن طريقة الفرز اليدوى بدائية وتسبب عشرات الأضرار، ما بين أضرار على فقرات العنق والظهر للأطفال الصغار الذين يحملون مئات الكيلوجرامات من أشولة القمامة، إلى التعامل مع النفايات الخطرة والإبر الطبية.

المشكلة الرابعة: أن فرز القمامة كان يتم داخل نطاق الحيز السكنى، مما أدى لانتشار الروائح الكريهة والتعفن، وتكاثر الفئران بكل ما تحمله من أمراض.

بعد ذبح الخنازير وجد الزبال نفسه أمام موقف شديد التعقيد. إما أن يحمل القمامة بالكامل ويتكلف نقلها إلى المقلب لفرزها هناك، وهو ما سيحمله تكلفة مالية كبيرة. أو يقوم بفرز القمامة فى الشارع، فيحمل منها ما ينفعه من مخلفات صلبة ويترك المخلفات العضوية فى الشارع، وعندها يصبح عرضة للغرامة والعقاب بمصادرة سيارته من وزارة البيئة والمحافظة.

«ده طبعا حصل لأن محدش فكر بعد موت الخنازير المخلفات العضوية حتروح فين».

«من المستحيل نقل الزبالين تانى
من منشية ناصر»

لكن هناك حلولا قادرة على تحسين الأوضاع لكل من العاملين فى الصناعات الصغيرة، ومربى الخنازير الذين عانوا من أزمة مالية بعد ذبحها.

شكل الصناعة فى منشية ناصر لم يتطور منذ الثمانينات، لكن العاملين فى مجال الصناعات الصغيرة والتدوير قادرون الآن على التطور خطوة فخطوة، ومربو الخنازير فى حاجة لمصدر جديد للدخل.

أولا: تبدأ الحكومة ومنظمات المجتمع المدنى فى تطوير الصناعات من بدائية إلى صناعات متوسطة، ما يطلق عيه صناعات وسيطة، كخطوة أولى للوصول بالتدوير إلى التكنولوجيات الحديثة.

ثانيا: لا يتم الاستغناء عن الصناعات القديمة دفعة واحدة. بل يبدأ مربو الخنازير الذين لا خبرة لهم على الإطلاق بصناعة التدوير، والعمل فيها.

على المدى الطويل، يتطور مجتمع قادر على الارتقاء بنفسه واستعادة قوته الاقتصادية.

كما أن إدخال بعض الآلات البسيطة كأوناش الرفع الصغيرة، قادرة على تخليص آلاف من الزبالين من معاناة نقل القمامة على أكتافهم.

«تخصيص أراضٍ جديدة للدفن
الصحى خطأ كبير»

وتهافت الشركات الأجنبية على العمل فى مصر ودول العالم الثالث، جاء نتيجة لخسائرها فى أوروبا التى تبتعد بخطوات سريعة عن أسلوب الدفن. فى 2002 أعلن الاتحاد الأوروبى عن مبادرة تلزم الدول الأعضاء بإيجاد بدائل علمية لأسلوب الدفن. اتجهت أوروبا إلى ذلك بعد أن اكتشف أن كم المخلفات وتزايد عدد السكان يتطلب إنشاء مدافن صحية جديدة ستستهلك مساحات شاسعة فى السنوات المقبلة، مما يعنى إهدار أراض ذات قيمة ضخمة فى سبيل دفن المهملات. كما أن تبطين المدافن بالخلايا الخرسانية والفخارية، مهما بلغ هذا التبطين من دقة، لا يضمن عدم تسرب المواد المتحللة إلى المياه الجوفية فى باطن الأرض وتلويثها.

قرر الاتحاد الأوروبى فى مبادرته أن يكون التدوير هو الأسلوب الأساسى فى التعامل مع المهملات، وتطوير الأبحاث العلمية المتعلقة بالتخلص من النفايات الخطرة غير القابلة للتدوير. وتقول دراسة أعدها مركز الخدمات العامة الدولى عام 2006، وهو مركز بحثى متخصص فى دراسات اقتصاديات البيئة، إن العديد من شركات إقامة المدافن الأوروبية، خاصة فى ألمانيا وبريطانيا، قد تكبدت خسائر هائلة واضطرت إلى تخفيض عمالتها وتوجيه أنشطتها لدول غير أوروبية بسبب الاتجاه الحديث نحو التدوير بدلا من الدفن.

«فى نفس الوقت اللى بيمنعوا فيه بناء المدافن فى أوروبا، مصر بتدعو الشركات الأجنبية لإنشاء مدافن فى مصر». فعقود المحافظات مع الشركات الأجنبية تفرض بناء هذه الشركات لمدافن على مساحات شاسعة، مثل مدفن شركة أما العرب الإيطالية بالقطامية، ومدفن شركة FDC الإسبانية بالوفاء والأمل.

الاستخدام الأمثل لهذه الأراضى هو إنشاء مصانع وورش للتدوير عليها.

«أهم حاجة الفرز من المنبع»

فهو كفيل بتفادى المخاطر الصحية التى يتعرض لها الزبالون، ويرفع من كفاءة عملية التدوير، وينهى مشكلة القذارة الناتجة عن الفرز فى الشارع.

ليس من الضرورى اللجوء للأسلوب الأوروبى الذى يقتضى وجود أربعة أكياس مختلفة للقمامة داخل كل بيت، فكيس واحد للمواد العضوية وآخر للمواد الصلبة كافٍ لتحقيق نتائج جيدة. تم تطبيق مشاريع الفرز من المنبع بنجاح فى عدد من الأحياء كالزاوية الحمراء والمنيل. «ومكنش فيه أى مشكلة عند الناس، بل بالعكس كانوا على ترحيب كبير بالمشروع».

منقول من: الشروق


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة