الفنون والحرف التقليدية في ريف اللاذقية ابداعات تثري العمق الحضاري للقرى الساحلية
أكثر من صناعة وحرفة ترسخت بوسائل بسيطة تبدأ بالصابون المنزلي وغزل خيوط الصوف وندف وتنجيد القطن وتربية دود القز وأطباق القش إلى التنقيب عن المياه الجوفية وابتكار أسلوب التجارة المتجولة من صناعات وحرف تقليدية أثرت العمق الاجتماعي والتراثي والتاريخي في الساحل السوري عموما وريف اللاذقية بصورة خاصة .
صناعة الصابون المنزلي التراثية التي مازالت كثير من بيوت الأسر في القرى الريفية تشهد على عملية تحضيرها وصناعتها مادتها الأولى زيت الزيتون المترسبة في قعر الأواني من بقايا المؤونة كما يقول الباحث التراثي حيدر خنيسة في لقاء مع مندوبة سانا اذ يتم غليه في قدر كبير مع مادة القطرون قبل أن يضاف إلى المزيج كمية من الغار الذي يمنحه الرائحة الزكية ثم يصب على سطح حجري أملس محاطا بقواطع خشبية إلى اليوم التالي حيث يكتسب قوامه القاسي فيقطع الى مكعبات متساوية .
أما غزل خيوط الصوف فهو احد مهارات القرويين يعهد بها إلى كبار السن من الرجال والنسوة محولين شعر الماعز إلى حبال وخيوط تحيكها النسوة على سنارات خشبية رفيعة او باستخدام المغزل الخشبي لصنع ما تحتاج الأسرة من الألبسة الشتوية .
ويوضح خنيسة إن امتلاك عدد قليل من أهالي الريف الساحلي لأنوال الغزل سمح بصنع العباءات الصوفية باللون الأبيض والبني والأسود وبيعها في القرى المجاورة إلى جانب صناعة اللباد المزخرف لاستخدامه بدلا عن السجاد والبسط والحصر ولاسيما في المرتفعات الجبلية حيث البرد الشديد في موسم الشتاء .
والأنوال ذاتها كانت تستخدم في الصناعات النسيجية للحصول على الثياب القطنية لصنع الثياب الداخلية والشراشف وأغطية الطاولات وأحزمة النسوة والخروج التي توضع على ظهور الدواب التي كان الريفيون يحيكونها من القطن الخام بطرق بسيطة اضافة إلى البسط المنزلية المصنعة من بقايا الثياب القديمة .
ومن الصناعات النسيجية التقليدية المتقمة وهي احدى الحاجيات الأساسية في كل بيت ريفي وتحاك كما يشرح خنيسة على شكل قطعة قماشية طويلة يرتق عليها عدد من الجيوب المطرزة بحجم الكف توضع فيها الأزرار والدبابيس والأبر والكشتبان والمشط والكحل والحناء والمسك وسواها 0
ولاتقل أهمية الصناعات اليدوية عن الكشف والتنقيب عن المياه الجوفية الذي كان أحد المهارات الشعبية باكتساب بعض الرجال القدرة على كشف مواطن المياه الجوفية بواسطة غصن الزيتون أو الرمان فكان أهل القرية يلجؤون الى أحد المنقبين قبل حفر أي بئر ليحدد لهم الموقع الذي يتوجب الحفر فيه مقابل أجر يتفق عليه غالبا يكون كمية من الحبوب أو الزيت أو السمنةولعدم توفر متاجر تؤمن مستلزمات القرية ابتكر الأهالي طريقة رائجة في أيامنا هذه وان كانت الوسيلة مختلفة وهي التجارة المتجولة وان كان عن طريق البيع بالسلة لجأ بعض الريفيون إلى هذا العمل الجوال بجلب الحاجيات الضرورية من قراهم أو من المدينة ووضعها في سلال أو صناديق خشبية يتجول بها البائع على ظهر دابة بين القرى.
ولضيق الحال كما يشير الباحث خنيسة فقد جرت العادة على مقايضة البائع للعديد من بضائعه بالقمح أو الصوف أو الخضار أو النحاس العتيق أو الجلود بما تحتويه سلته من السكر والقهوة والشاي والأعشاب الطبية والتين اليابس وأدوات الحياكة والزينة إلى المرايا الصغيرة والسكاكر والأقمشة وعلب الكبريت و زيت الكاز وأدوات التنظيف وسواها وكانت هذه التجارة تزدهر في الأعياد والمناسبات الاجتماعية قبل أن تتطور هذه المهنة لاحقا إلى ما يعرف ب الدكنجي.
وللصناعات الخشبية مكانتها في الريف الساحلي برع بها الرجال كما تبين الباحثة التراثية فريال سليمة من صناعة المحراث والنير ومرج الدراسة كأدوات زراعية إلى جانب براعتهم في صناعة الأدوات الموسيقية كالربابة والمزمار والطبل وأدوات المطبخ من الملاعق الخشبية والمغارف وجرن العجين تصنع من أشجار السنديان والبلوط والزنزلخت والصنوبر والزيتون التي تشتهر بها بساتين وغابات القرى.
إلى ذلك امتهن أهل القرى الساحلية صناعة القصب ولاسيما في القرى المجاورة للأنهار حيث ينمو القصب فكانت تنسج السلال بأنواعها وقناديل الدبق لحفظ الأعواد المستخدمة في صيد الطيور ومن أعواد الريحان في القرى الجبلية صنعوا القفف الكبيرة لحمل القمح بعد سلقه قبل تحويله إلى برغل وأيضا السانون حافظات الأواني الزجاجية الكبيرة وقواعد مقالي الفخار والمكبة لحفظ الطعام وجميع هذه الصناعات التي كانت تنتج في القرية تباع وتصدر إلى المدينة والريف على حد سواء.
وتعتبر مهنة ندف القطن والتنجيد كما تقول سليمة من الحرف القديمة التي اتخذتها بعض الأسر كمصدر رزق لها غالبا ما تضطلع المرأة بعبء هذا العمل في منزلها من ندف وتنجيد مختلف اللحف والفرش والوسائد إلى جانب أعمال التطريز والخياطة وحياكة الملابس والأشغال اليدوية وأعمال الإبرة وصناعة الدمى والقماش.
أما خصف النعال فكانت احدى المهن المناطة بالرجل وفق ما تسرد سليمة فيرمم الأجزاء المتآكلة من الأحذية القديمة وتغيير كعوبها بأخرى يحضرها من المدينة وكانت هذه الحرفة سائدة على نطاق واسع لاكتفاء كل من أفراد الأسر بزوج واحد من الأحذية على مدار العام نظرا للحالة المادية المتواضعة.
وتشير إلى شهرة قرويي الساحل بتربية دود القز واستخراج الحرير نظرا لتوفر أشجار التوت بكثرة فكانت تربية القز تتم في الربيع بوضع البيوض في قطعة قماشية في مكان دافئ ليضاف إليها ورق التوت الغض التي تقتات عليها الديدان الصغيرة فيما بعد قبل أن تدخل في دور الشرنقة لتبدأ بإفراز الحرير.
وهذا العمل كما توضح سليمة يمر بمرحلتين إذابة الشرانق بعد وضعها في ماء مغلي وتحريكها ثم التقاط الخيوط الحريرية ولفها على دولاب الحرير لتتشكل شلة حريرية صفراء اللون تصنع منها بشكل أساسي مناديل الحرير المزينة بالرسوم على يد النسوة بواسطة السنارة.
ونوهت سليمة إلى أن المرأة برعت في صناعة الأطباق القشية بإضافة الأصبغة الملونة لها واستخدامها في الكثير من الأغراض المنزلية إلى جانب صنع الأطباق العميقة الجمامات لوضع الحبوب والخضار إلى نسج الحصر من قش السعاد بعد جمعه من ضفاف الأنهار.
واذا تبقى من أوقات فراغ كانت المرأة تنصرف إلى صناعة الأغطية الخاصة بكراسي القش مستعينة بالثياب المهملة تثبتها بعد تقطيعها إلى مربعات صغيرة على شكل حراشف ملونة تغطي بها الكراسي أو تبيعها لمن يرغب بشرائها.
اما مهنة صيد الطيور وغيرها من الحيوانات فكانت احدى هوايات رجل قرى الساحل وتقول سليمة كان الصياد يعمد إلى أعواد الدبق أو الفخ أو الطيفوحة او المطاطة او القاطوع للايقاع بطريدته وفي احيان أخرى يستخدم البندقية والكلاب وطير الباشق لصيد طيور البط التي تحط ترحالها في المستنقعات المحاذية لساحل البحر.
وفي صيد الأسماك عمد الصيادون كما تشير سليمة إلى استخدام الخرطل في السواقي وهي حزمة من القصب الناعم على شكل حصير يلف بشكل قمعي تجتذب السمك فيعلق في داخلها حيث يسهل التقاطه هذا إلى جانب الصيد في الأنهار بواسطة الشبكة والسنارة وأقفاص القصب.
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
تفاعل مع الصفحة