"النحاسون".. التصدير يمنع الاندثار
النحاسين".. ليس مجرد اسم شارع في حي خان الخليلي بالقاهرة، بل يرمز لمهنة ما زالت تقاوم الزمن الذي يجرف أمامه كل شيء، فلم يتبق من المهنة سوى القليل من الصناع الذين تجمعهم الهموم والمخاوف، من أن يتحولوا إلى مجرد ذكرى، تحت وطأة غزو الفضة، وغياب أي اهتمام رسمي أو حتى من مؤسسات المجتمع الأهلي.
طبيعة المهنة تعتمد -كما يقول أيمن عدلي أحد العاملين بها- على تشكيل خام النحاس سواء المحلي أو المستورد لاستخدامه في صناعة الأواني النحاسية والتحف.
ورغم اختفاء الأواني النحاسية من المنازل في ظل غزو الفضة (الأواني الألمونيوم والإستالستيل)، فإن العاملين بتلك المهنة لا يزالون متمسكين بها، في ظل إقبال السياح على شراء التحف النحاسية لاستخدامها في الديكور، بحسب عدلي.
ولكن هل يكفي الاعتماد على بيع التحف النحاسية للحفاظ على تلك المهنة؟ يقول جاد فريد رزق الملقب باسم "النحاس باشا": إن مشكلة النحاسين أنهم يرتبطون بمهنة أخرى اختفت، وهي "مبيض النحاس" الذي يقوم بطلاء الأواني من الداخل، عندما يمر عليها فترة طويلة لتعود إلى حالتها الأولى.
ومع اختفاء العاملين بتلك المهنة بدا الإقبال يقل على شراء الأواني النحاسية، وأصبحت الأواني الفضية هي البديل، ويقول رزق: "بدأنا نعتمد بشكل كبير على التحف النحاسية، كالأباجورة والإبريق والصينية، ولكن هذا لا يكفي لأننا كنا نعتمد بشكل كبير على تصنيع أدوات المطبخ النحاسية".
ورغم ذلك فإن النحاس باشا متفائل بعودة عرش تلك المهنة، خاصة بعد أن أثبتت الأبحاث الحديثة أن للأواني الفضية أخطارها الصحية، بحسب قوله.
قلة الأيدي العاملة
لكن "عم أحمد عامر" الذي ورث هذه الصناعة أبا عن جد، غير متفائل بحل مشكلات النحاسين، خاصة مع قلة الأيدي العاملة؛ بسبب اختفاء توريث الصنعة وعدم إقبال الشباب، رغم أن من يتقن صنعة النحاس يكون أجره مرتفعا.
ويدعو عم أحمد العاملين إلى حل مشكلة الأيدي العاملة عبر استقطاب بعض الشباب لتدريبهم، وهو ما سعى له بالفعل، حيث يدرب حاليا شبانا يتوقع لهم خلال عامين أن يصبحوا صناعا مهرة.
ويطالب وزارة الثقافة بفتح ورش تقوم فيها بتعليم تلك الحرفة وغيرها من الحرف اليدوية للأجيال الجديدة؛ حتى لا تندثر تلك الصناعات النادرة التي تلعب دورا مهما في جذب السياح.
الخامات.. مشكلة ثالثة
ويثير حسين إبراهيم صاحب إحدى الورش مشكلة ارتفاع أسعار الخامات المستخدمة في صنع التحف النحاسية. ويقول: "سعر طن الخام المستورد وصل إلى 17 ألف جنيه مصري (الدولار الأمريكي=5.77 جنيهات مصرية)، بعد أن كان 13 ألفا في العام الماضي، ويصل سعره بعد التصنيع إلى 30 ألف جنيه".
ويضيف أن هذا الارتفاع السعري يجعل قطعة النحاس التي كانت تباع بسعر يتراوح ما بين 5 و20 جنيها تصل اليوم إلى ما بين 200 و300 جنيه؛ وهو ما يقلل من فرص البيع في الأسواق.
وحتى وقت قريب لم يعان صناع النحاس من أزمة ارتفاع الخام المستورد؛ بسبب اعتمادهم على النحاس القديم الذي كان يتم شراؤه من ربات البيوت، ولكن هجر الأسر للنحاس أدى للاعتماد على النحاس المستورد.
التصدير هدفنا
ورغم هذه المشاكل فإن أصحاب ورش النحاس -حوالي 20 ورشة- لا يزالون متمسكين بالأمل، خاصة في تصدير منتجاتهم من التحف والأنتيكات إلى الأسواق الأوربية.
ولا حديث في شارع النحاسين الآن إلا عن ورشة الحاج سلطان عبد الوهاب الذي عقد مؤخرا صفقة مع بعض المستوردين بفرنسا واليونان لتصدير إنتاجه من التحف النحاسية.
وبدأ الجميع يدرس تجربة الحاج سلطان، ويتساءل: كيف نجح في تحقيق ذلك؟ وخلص معظمهم إلى أن السبب الرئيسي أنه استطاع الحفاظ على جودة صنعته، من خلال توريث مهنته لأبنائه، فرغم أنهم حصلوا على شهادات جامعية فإنهم يعملون بتلك المهنة واستطاعوا ابتكار تصميمات جديدة ميزت ورشتهم وجعلتهم هدفا للمستوردين.
فهل سينجح النحاسون في تكرار تجربة الحاج سلطان ويحولون الأمل إلى واقع أم ستتكالب المعوقات على هذه المهنة وتندثر قبل أن يمد أحد يده لها؟.
المصدر: اسلام اون لاين
تفاعل مع الصفحة