اتجاهات العاملين الحرفيين نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة وعلاقاتها بقدراتهم الإبداعية

يمثل العمل الحرفي نظاماً للعمل الماهر الذي ينتج سلعا أو خدمات تلبي احتياجات خاصة للعملاء . ويتطلب العمل الحرفي من العامل تدريباً مكثفاً واكتساباً لمعرفة كاملة بواجبات العمل الذي يتضمن أحكاما مستقلة ومنطقية .ومن الأعمال الحرفية خراطة المعادن والأخشاب والنقاشة وصيانة السيارات بأنواعها وتصنيع المصوغات وغيرها.وتعتمد مثل هذه الأعمال الحرفية على مهارات العامل باستخدام أدوات أو آلات بسيطة ، ولهذا السبب فهو يتحكم بدرجة كبيرة في إيقاع وطريقة العمل ، مما يجعله ينتج منتجات متنوعة تكسبه الشعور بالرضا والتقدير الذاتي والاجتماعي. وفي المقابل نجد العامل الحرفي بحكم مسئوليته الكبيرة عن الأخطاء الفنية في المنتج يشعر بالتوتر والقلق عن المستوى الفني لإنتاجه

ولأن الأعمال الحرفية تنتج منتجات محدودة الكم ومرتفعة التكلفة، لم تتمكن من مواجهة مطالب المجتمعات من المنتجات والخدمات  ، مما أدى إلى خضوعها للعديد من التغيرات التكنولوجية الحديثة، كاستخدام الآلات وتغير طرق العمل والخامات و تصميم المنتجات…  الخ .  ولأن العامل الحرفي مسئول عن مستوى الجودة والكم فيما ينتجه، فهو أكثر العاملين اهتماماً بمصادر المعلومات والخبرات التكنولوجية الحديثة ، ولذا فهو بمجرد أن يعلم تصميماً جديداً  أو مناسباً سرعان ما يبدأ في إنتاجه .

ويواجه العاملون الحرفيون مطالب عمل متعددة ومتغيرة ، وفقاً لكل من تباين العملاء ورغباتهم وتنوع مشكلات العمل غير المتوقعة وتغيرات السوق ( العرض والطلب ) .  ولذا فإن العاملين في أمس الحاجة إلى تنمية قدراتهم الإبداعيـة ، حتى يتحسن مستوي الإنتاجية كماً وكيفاً، علي نحو يزيد من القدرة التنافسية لمنتجاتهم أمام المنتجات الأجنبية في السوق المحلي والخارجي. وتزداد أهمية هذه الحاجة بصفة خاصة في ظل اتفاقية "الجات"، وتحرير التجارة الدولية، حيث تزداد  المنافسة بين الدول المنتجة، والبقاء لمن يستطيع أن يقدم منتجات أفضل وبسعر أقل. ( وللإطلاع على أهم آثار هذه الاتفاقية على العالم العربي يمكن الرجوع إلى :الشبشيري، م، 1995 ).

و تخضع التكنولوجيا الحديثة لأسوأ  أشكال الاحتكار، ولذا تستخدم كوسيلة سياسية للضغط على إرادة من يحتاج إليها، سواء كان فرداً  أو جماعة عمل (في مؤسسة) أو مجتمعاً .  وتعتمد السياسة الاحتكارية للتكنولوجيا الحديثة على عدة عناصر من أهمها:

-إثارة حاجات متجددة لدى الأفراد والمؤسسات، مع الزعم بأن التكنولوجيا الحـديثة تهدف إلي إشباعها.

-إثارة الانبهار والثقـة المطلـقة في التقـنيات الحـديثةـ أو فيمن ينتجها ـ مما يؤدي إلي تبنيها، دون تمحيص أو تجريب أو نقد .  

-تعمد جعل التقنيات الحديثة غير قابلة للتحليل بيسر، بالإضافة إلى تغيرها المستمر وبإيقاع متزايد، دون أن يواكبه درجة مناسبة من الاستيعاب والنضج المعرفي، مما يعرقل جهود التطوير والإبداع.

 ولذلك قد يصدق القول بأننا نستورد ثمار التكنولوجيا ، أما التكنولوجيا ذاتها فهي لدى صانعها، الذي يمتلك مقوماتها البشرية والعلمية والفنية. و لذلك أيضاً تبرز الحاجة إلى تنمية القدرات الإبداعية لدى العاملين في مختلف مجالات العمل الصناعي بصفة عامة و الحرفي بصفة خاصة.

ومن الملاحظ أنه لا توجد دراسات حول القدرات الإبداعية للعاملين بالصناعة وعلاقاتها باتجاهـاتهم نحو التكنولوجيا الحـديثة، رغم أن الحاجة ملحة - أكثر من أي وقت مضى - إلى تنمية القدرات الإبداعية والاتجاهات الإيجابية نحو التكنولوجيا لدى العاملين في مجال الصناعة، حتى يتمكن مجتمعنا العربي من التحول من مجتمع مستورد واستهلاكي للتكنولوجيا الأجنبية إلى مجتمع يستفيد منها ويستوعبها في بناء تكنولوجيا وطنية، تناسب حاجاتنا وإمكاناتنا، وقابلة - في نفس الوقت–  لأن تنمو وتتقدم .

و تعتمد قدرة العاملين على التوافق مع التغيير على ما لديهم من قدرات إبداعية خاصةً الطلاقة و الأصالة والمرونة (( Trumbo,D.,1961. كما تعتمد على ما لديهم من اتجاهات نحو التغيير، أي الاتجاه نحو الإبداع في العمل. ولذا فإن الحاجة إلى التوافق مع التكنولوجيا الحديثة ، وتطويرها بما يناسب حاجاتنا ليست مرهونة فقط باتجاهات العاملين نحوها، وإنما أيضا بقدراتهم الإبداعية.

و رغم حاجة معظم المجتمعات إلى التفكير الإبداعي، لمواجهة مشكلات الحياة المتجددة ، ثمة مشكلة عامة تتمثل في ضعف الاتجاهات الإيجـابية نحو التفكـير الإبداعي، هذا على الرغم من توفر مناخ نفسي واجتماعي ميسر- إلى حد ما - لتقبل التكنولوجيا وتغيرها (عبد الحميد، إ، 1991). هذا من جهة ، ومن جهة أخرى نجد في دراسة يابانية أمريكية  أن اتجاهات العاملين اليابانيين – بالمقارنة بالأمريكيين – نحو التكنولوجيا الحديثة وتغيرها تتسم بالسلبية والتشاؤمية، إذ يدركون التغير التكنولوجي كمصدر للمشقة Stress، ويعتقدون أنه سيضر بأعمالهم ومستقبلهم المهني ، كما يشعر العمال اليابانيون بدرجة عالية من القلق– على عكس الأمريكيين- فيما يتعلق بصعوبة تعلم الحاسب الآلي واستخدامه .(Slem, C., et al, 1995) ومن غير المتوقع أن يتبنى اليابانيون اتجاهات سلبية نحو التكنولوجيا الحديثة ، رغم أن اليابان من أكثر دول العالم إنتاجا لها وإبداعا فيها ، بينما قد يقل الإبداع لدى المجتمعات التي تزداد فيها هذه الاتجاهات.

ويمكن أن نتصور الاتجاه نحو التكنولوجيا الحديثة على متصل يمثل أحد طرفيه تقبل وتأييد  التكنولوجيا الحديثة ،ويمثل الطرف الآخر رفضها، ويعبر المنتصف عن الموقف الحيادي منها . وهنا يمكن أن نطرح السؤال الآتي : ما هو المستوى الملائم الصحي من الاتجاهات نحو التكنولوجيا الحديثة التي يصاحبها درجة أعلى من القدرات الإبداعية ؟.  أي هل هناك اتجاه صحي - في قدره ونوعه - نحو التكنولوجيا يصاحبه ارتفاع القدرة على الإبداع ؟

 ورغم الأهمية البالغة لهذا السؤال لم يعني الباحثون – على المستوى المحلي أو العالمي – بالإجابة عنه ، بدراسات نظرية أو واقعية ( إمبريقية ) . و يحاول البحث الحالي سد هذه الثغرة عن طريق دراسة اتجاهات عينة من العاملين الحرفيين  نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة، في علاقتها بقدراتهم الإبداعية . وفيما يلي نعرض لأهم مشكلات البحث.

ويحاول البحث الحالي الكشف عن طبيعة العلاقة بين اتجاهات عينة من العاملين الحرفيين نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة من جهة، وقدراتهم الإبداعية من جهة أخرى .  ويمكن صياغة فروض هذا البحث فيما يلي:

1-ثمة ارتباط منحني بين اتجاهات العاملين الحرفيين نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة و قدراتهم الإبداعية.

2-توجد فروق في الاتجاهات نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة بين العاملين الحرفيين المنخفضين والمرتفعين في قدراتهم الإبداعية ، بحيث تميل هذه الاتجاهات إلى التطرف- سلباً أو إيجاباً- لدى المنخفضين ، وإلى الاعتدال أو التوسط لدى المرتفعين .

3-هناك فروق في القدرات الإبداعـية بين العاملين الحرفيين ، ممن ينتمون لمستويات مختلفة في  الاتجاه نحو التكنولوجيا الصناعية الحـديثة ، بحيث تزداد لدى المتوسطين وتقـل لدى  المتطرفين في الاتجاه.    

4-لا توجد فـروق في القدرات الإبداعـية بين العاملين الـحرفيين، في ظل تباين العمـر ، بينما تزداد هذه القدرات لدى مرتفعي التعليم عنها لدى منخفضي التعليم.

أولاً :  مفــاهيـم البحـــث

      سنعرض فيما يلي لتعريف مفاهيم البحث التي تعتمد عليها الدراسة الحالية ، وذلك على النحو الآتي :

1-الاتجاهات نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة.

Attitudes towards modern industrial technology  

 

لم يحظ تعريف هذا المفهوم باهتمام الباحثين لضآلة اهتمام الباحثين النفسين بدراسة هذا الموضوع.ولذا  في سعينا إلى تعريف هذا المفهوم نتجه أولا نحو تعريف مفهوم "التكنولوجيا"بصفة عامة، ثم تعريف مفهوم "التكنولوجيا الحديثة"، يلي ذلك تعريف مفهوم "الاتجاه" إلي أن نصل إلي تعريفنا  المقترح  لمفهوم "الاتجاهات نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة"  وهو ما يمكن أن نعرض له كالتالي :

 التكنولوجيا بصفة عامة هي "عملية تطبيق العلم وتوظيفه لتحقيق أغراض عملية".وقد يعرفها بعض الباحثين بأنها "عملية تحويل المدخلات Inputs  إلى مخرجات Outputs (Fry,L..,1982).كما يرى البعض الآخر من الباحثين أن التكنولوجيا ليست مجرد عملية ، إنما هي"أنماط من النشاط والمعدات والمواد". ويعد هذا التعريف من أنسب التعريفات لشموله مختلف جوانب التكنولوجيا إلى حد  يجعله ينطبق على مختلف المنظمات الصناعية و الخدمية . أما التكنولوجيا الحديثة فهي "التطبيق العملي للبحث والتفكير العلمي لما ينتجه أو يبتكره الإنسان في مجال الثقافة المادية، وما يرتبط بها من معارف ومهارات وخبرات، في سبيل خدمة الإنسان وتحسين استخدامه واستيعابه وتطويره للموارد البشرية والطبيعية والمادية000 الخ" (حلباوي ،ي، 1992 ، ص ص 23-24).

والتكنولوجيا الحديثة – كما تم دراستها في هذا البحث – هي تطبيق الأفكار الإبداعية ونتائج البحوث العلمية المبتكرة والتقنيات الحديثة بمختلف جوانبها -المعرفية والمادية- من أجل إنتاج سلع أأو خدمات جديدة ، أو من أجل تحسين السلع أو الخدمات الموجودة ، أو من أجل الاستخدام الأمثل والفعال للموارد ، بما يؤدي في النهاية إلى خدمة الإنسان وإشباع احتياجاته. وتتميز التكنولوجيا الحديثة بدرجة عالية من القابلية للتغير، سواء في جوانبها المادية أو المعرفية أو نواتجها ، كما تتميز بتزايد أهمية كل من الأبحاث العلمية والتدريب الفني لمواجهة مشكلات تتعلق بنسق"الإنسان- العمل"، بالإضافة إلى الحاجة إلى استيعاب النواتج التكنولوجية ، كالتشغيل الذاتي  Automation والحاسبات الآلية ، وكافة مصادر الخبرات الفنية .

أما عن تعريف مفهوم"الاتجاه" الذي اعتمدت عليه الدراسة الحالية فهو يندرج ضمن النموذج "الوجداني – المعرفي" للاتجاه، أي مع استبعاد المكون السلوكي الذي أدي إلى تعارض دراسات الاتجاه نظراً لغموض العلاقة بين السلوك والاتجاه ،ولذا لجأ عدد من الباحثين إلى الاقتصار على المكونين المعرفي والوجداني في دراستهم للاتجاه، لمزيد من الدقة في تناول ظاهرة الاتجاه، بالمقارنة بكل من النموذجين، المتعدد و الأحادي (انظر: Chaiken,S. & Strangor, C, 1987). ومن أهم تعريفات الاتجاه وفقا لهذا التصور بأنه "تنظيم مستقر من العمليات الدافعية والانفعالية والادراكية والمعرفية التي تتصل بجانب معين من العالم السيكولوجي للفرد  Krech,D.&   Crutchfield, R, 1948,P.152)) . وبذلك يمكننا أن نصل إلى تعريف لمفهوم الاتجاه نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة بأنه"نسق يشمل كل من معتقدات العامل ومعلوماته ومشاعره الوجدانية تجاه كل من التغيرات التقنية وآثارها في بيئة العمل واستخدام كل من التشغيل الذاتي والحاسبات الآلية ونتائج الأبحاث العلمية في العملية الإنتاجية ،بالإضافة إلى معتقدات العامل ومشاعره تجاه متطلبات التكنولوجيا من التدريب الفني والانفتاح على الخبرات الفنية للآخرين.ووفقاً لدرجة العامل على هذا النسق تتفاوت استجاباته التفضيلية أو غير التفضيلية والاقترابية أو التجنبية، التي تتمثل في الإقبال على أو العزوف عن عناصر التكنولوجيا الحديثة ، كموضوعات لهذا الاتجاه"

2-القدرات الإبداعية    Creative Abilities

يتمثل لب الإبداع الإنساني في إنتاج شئ  جديد في صيـاغته وإن كانت عناصره موجودة من قبل. و يمكن تعريف القـدرات الإبداعـية بأنها القدرات التي من شأنها أن تساعد الأفراد على إظهار أنواع من الإنتاج الإبداعي ، الذي يتسم بالطرافة والمرونة والمهارة في المجالات العلمية والأدبية والفنية (انظر:السيد ،ع ،1971 ،ص 21).أي أنها تلك القدرات العقلية التي يعتمد عليها السلوك الإبداعي ،كالطلاقة الفكرية، والمرونة التلقائية، والأصالة، وكلها قدرات للتفكير الافتراقي Divergent thinking . وفيما يلي التعريف الإجرائي لكل منها.

أ-الطلاقة الفكرية Ideational  fluency

هي قدرة الفرد على إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفكار الملائمة ، ممثلة في عدد من العناوين التي يقدمها الفرد على اختبار   Plot  titles  test  خلال فترة زمنية محددة.

ب-المرونة التلقائية Spontaneous  flexibility

هي قدرة الفرد على التحرر من القصور الذاتي والأفكار النمطية عند حل مشكلة محددة وقدرته على تغيير زاويـة تفكيره تلقائياً والتنقل بين مختلف الفئـات الفكرية. ويتمثل مستوى هذه القدرة

في عدد الفئات الفكـرية في استجابات المبحوث على اختبار الاستعمالات غير المعتـادة  Unusual uses  test  خلال فترة زمنية محددة  .      

ج-الأصالة Originality

تعرف الأصالة بأنها القدرة  على إنتاج أفكار ماهرة  ومتميزة  وغير شائعة فيما يتعلق بمنبه أو مشكلة معينة. وقد حدد "جيلفورد"في مـحاولته لتعـريف الأصـالة ثلاثة جـوانب أساسية لها هي:

1-الاستجابة غير الشائـعة: أي القـدرة على إنتـاج أفكار غير شـائعة أو نادرة إحصـائيا.

2-الاستجـابة البعـيدة أو غير المباشرة Remote: أي القدرة على ذكر تداعـيات      بعيـدة وغير مباشـرة .

3-الاستجابة الماهـرة : أي القدرة على إنتاج استجـابات يصفها عدد من  الحـكام بأنها ماهـرة (درويش ،ز ، 1983 ,Guilford,1959 ).

وفي ضوء ما سبق يمكننا تعريف الأصالة –كما تم دراستها في هذا البحث - بأنها القدرة على إنتاج حلول ماهرة وغير شائعة لعينة من المشكلات الإبداعية التي يتضمنها مقياس النتائج البعيدة  Consequences Test ، وذلك خلال فترة زمنية محددة.

ثانياً : منهج البحث

1-العينــة

أجري البحث على عينة قوامها (231) عاملاً، ممن يعملون بخراطة المعادن، بمصانع الحديد والصلب بحلوان وورش الصيانة التابعة لسكك حديد مصـر.

ومن خلاله نلاحظ أن أفراد عينة البحث يتفاوتون في العمر، والذي يتراوح بين (20) سنة و(60) سنة. كما يتفاوتون في مستوى الدخل (أدنى وأوسط وأعلى). أما فيما يتعلق بمستوى التعليم فهو في الغالب إما متوسط ونسبة تكراره في العينة حوالي (41%)، أو فوق المتوسط ونسبته حوالي (53%)، ومن حيث الحالة الزواجية معظمهم من المتزوجين (75%) ، تلي ذلك نسبة من لم يسبق لهم الزواج (23%).

2- أدوات البحـــث

اعتمدنا في إجراء البحث الحالي على مقياسين أساسين يمكن أن نعرض وصف كل منهما على النحو التالي:

         1- مقياس الاتجاهات نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة.

يعد هذا المقياس نسخة معدلة ومختصرة للمقياس الذي سبق أن أعده الباحث في دراسته للدكتوراه ( انظر:عبد الحميد،1991) ، إذ تم حذف وتعديل البنود ضعيفة التشبع على العامل ، و البنود ضعيفة الارتباط بالدرجة الكلية ، ويتكون في صورته الأخيرة من تسع وأربعون بنداً  أو عبارة تقريرية، صيغت بأسلوب "ليكرتLikert "، ليعبر المبحوث بنفسه عن شدة اتجاهه عن كل بند باختيار بديل واحد للإجابة من بين سبعة بدائل يفترض أنها تمتد على متصل لشدة الاتجاه ، ويتراوح من أقصى درجات الموافقة (موافق بدرجة كبيرة ) إلى أقصى درجات المعارضة (معارض بدرجة كبيرة) ، مروراً بالحياد أو عدم التحديد في المنتصف (محايد). ويتم تقدير الإجابة التي تعبر عن أقصى درجات الاتجاه السلبي بدرجة واحدة ، وسبع درجات إذا كانت الإجابة تعبر عن أقصى درجات الاتجاه الإيجابي، وكلما كانت الإجابة تميل إلى الاتجاه الإيجابي زادت الدرجة على البند .وتحسب الدرجة الكلية للاتجاه من خلال جمع درجات المبحوث في كل بنود المقياس ، لتعبر عن مدى شدة اتجاهاته التفضيلية نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة. ويتكون المقياس من خمسة مقاييس فرعية ، وفيما يلي وصف لكل منها: 

 أ- مقياس الاتجاه نحو التغير التقني.

ويتكون من أثنى عشر بنداً ، تتناول معتقدات العامل ومشاعره نحو التغيرات التقنية التي يمكن أن تطرأ في مجال العمل ،كتغير وتعديل الآلات وطرق العمل وظروفه والمعلومات الفنية اللازمة لأداء العمل.

ب- مقياس الاتجاه نحو التشغيل الذاتي.

ويضم ثمانية بنود لقياس معتقدات و مشاعر العامل تجاه استخدام تكنولوجيا التشغيل المستمر . باعتبارها نوع من التكنولوجيا التي تعتمد على درجة متقدمة من الميكنة ، وفيها يتولى الحاسب الآلي مهمة التحكم الآلي في التشغيل.

ج- مقياس الاتجاه نحو الانفتاح على الخبرات التقنية الحديثة.

ويتكون من ثلاثة عشر بنداً لقياس معتقدات ومشاعر العامل  تجاه   مصادر الخبرات التكنولوجية الحديثة ، وهي الأبحاث العلمية ذات الصلة بمجال العمل ،والتدريب الفني ،والخبرات الفنية المباشرة التي تتوفر لدى زملاء العمل والمشرفين.

د-مقياس الاتجاه نحو آثار التغير التقني

        وهو عبارة عن عشرة بنود تتضمن معتقدات ومشاعر العاملين تجاه تأثير التغيرات التقنية  على التوافق النفسي والاجتماعي للفرد والمجتمع، فضلاً عن معتقداتهم بشأن مظاهر تأثير التغير التقني على كل من الدخل وعدد ساعات العمل وجودة المنتج.

هـ- مقياس الاتجاهات نحو آثار التقنيات الحديثة .

        ويتكون من ستة بنود لقياس معتقدات ومشاعر الأفراد نحو آثار استخدام التشغيل الذاتي والحاسبات الآلية – الواقعية أو المدركة – على قدرات ومهارات العاملين وتوافقهم النفسي ، بالإضافة إلى تأثيرها في جودة الإنتاج وحجمه.

وللتحقق من ثبات الدرجـة على المقـياس الكلي تم تقـدير الثبات بأسلوب القسمة النصفية  Split half بتقسيم المقياس إلى نصفين(البنود الفردية – في مقابل – البنود الزوجية) على مستوى العينة الإجمالية (ن=231) ، فكان معامل الارتباط بين نصفي الاختبار بعد تصحيح الطول بمعادلة سبيرمان – براون Spearman- brown (74,).  كما تم حساب الثبات باستخدام معامل ألفا كرونباخ Alpha Cronbach للاتساق الداخلي Internal Consistency بين المكونات الفرعية للاختبار لدى العينة الإجمالية (ن=231) فكان مقداره (76,) .كما تم حساب معاملات ألفا كرونباخ لكل مقياس فرعي من مقاييس الاتجاه ، فكانت مرضية إذا تراوحت من(69,)إلى (74,) ، وهو ما يشير إلى إمكانية الاطمئنان إلى ثبات المقياس ومكوناته الفرعية.

 وللتحقق من البنية العاملية لهذا المقياس تم إجراء التحليل العاملي على مستوى المقاييس الفرعية، بعد التأكد من أن معاملات الارتباط بين البنود دالة إلى حد كبير. وذلك بهدف التوصل  إلى بنية عاملية واضحة ، تؤيد افتراض وجود عامل عام يجمعها أو لا تؤيده.

وبعد التحقق من ارتفاع معاملات الارتباط المستقيم بين متغيرات الاتجاه، اتجهنا نحو إجراء عدد من الاختبارات الأساسية للتحقق من صلاحية البيانات للتحليل العاملي .وتوجد هذه الاختبارات في حزمة SPSS ( ( SPSS, 1997 . ومن هذه الاختبارات حساب محدد المصفوفة الارتباطية Determinant  (IRI) ، فتبين أن مقداره (43,) أي لا يساوي الصفر  ، مما يشير إلى أن مصفوفة معاملات الارتباط مصفوفة غير منفردة Non Singular، أي أن المصفوفة خالية من التكرار أو التداخل في عناصرها ، بحيث لا يمكن رياضياً أن يكون أي صف (أو عمود) مشتقاً من أي صف (أو عمود) آخر.كما تم حساب معامل اختبار "بارتليت"Bartlett’s  test  ، فكان مقداره (194.12) وهو دال بدلالة لا تقل عن (001,)، مما يشير إلى أن المصفوفة  الارتباطية ليست من نوع مصفـوفة الوحدة Identity  Matrix. بمعنى أنها ليست من نوع المصفوفات التي يكون فيها قيم العناصر القطرية مساوية للواحد الصحيح وبقية العناصر صفريةJackson,E.,1991)). كما تم حساب معامل “K M O” أو ما يطلق عليها معاملات "كايزر ماير أولكن"(Keiser-Meyer Olken) للتحقق من كفاءة سحب العـينة، أو المعاينة Sampling adequacy فكان مرتفعا (79,). ثم حسبت معاملات أخرى للتحقق من كفاءة المعاينة Measures of Sampling Adequacy  ، والتي يطلق عليها "MSA "،وذلك لكل مقياس فرعي من المقاييس الخمسة فكانت نواتجها مرتفعة ، وهي كالتالي :(78, ، 77, ، 78, ، 81,، 79,).

وبذلك تم التحقيق من صلاحية البيانات للتحليل العاملي، والذي تم حسابه بأسلوب المكونات الأساسيةComponents  Principal ، وقد أفضى إلى استخلاص عامل واحد بدون تدوير، ويفسر 49% من التباين الكلي، وجذره الكامن Eignvalue (2.37) ، وتشبعت عليه المتغيرات الخمسة بتشبعات مرتفعة ( إذ كانت: 73,،71,،68, ،68,،65,)، وكذلك كانت قيم الشيوع Communalities (إذ كانت: 53,،50,،46,،42,).  وبذلك يتضمن المقياس عاملاً أساسيا له هوية وكيان مقبول، أمكن تفسيره بما يسعى المقياس إلى قياسه وهو الاتجاه نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة.            

2- مقاييس القدرات الإبداعية.

في ضوء التعريف السابق للقدرات الإبداعية الثلاث موضع الاهتمام ، تم استخدام اختبار عناوين القصص لقياس الطلاقة الفكرية ،واختبار الاستخدامات غير المعتادة لقياس المرونة التلقائية ، واختبار النتائج البعيدة لقياس الأصالة .وقد تم اختيار هذه الاختبارات من خلال ما كشف عن العديد من الدراسات السابقة من ارتفاع معامل ثبات كل منها ، فضلاً عن ارتفاع تشبع كل منها على القدرات المقاسة (خليفة،ع، 1997 ،درويش ،ز، 1983، رمزي، ن ،1980، السيد، ع،1971، Guilford,J.P,1959).

ويشتمل اختبار عناوين القصص على قصتين قصيرتين من عدة سطور بدون عنوان ويطلب من المبحوث ذكر أكبر عدد ممكن من العناوين المناسبة لكل قصة ، خلال ثلاث دقائق ، لكل قصة على حدة. ويتم التصحيح بالتركيز على عدد العناوين الملائمة التي قدمها المبحوث. ويقدر كل عنوان ملائم بدرجة واحدة ، وتحسب الدرجة الكلية للطلاقة الفكرية باستخراج حاصل جمع درجتي المبحوث على كل من القصتين.

أما اختبار الاستعمالات غير المعتادة فيتكون من جزئين، لكل جزء خمس دقائق ،ويتكون كل جزء من ثلاثة بنود ، عن ثلاثة أشياء مألوفة ، ويطلب من المبحوث ذكر الاستعمالات غير المعتادة لكل شيء من هذه الأشياء في حدود الزمن المحدد.  ولاستخراج درجة المرونة التلقائية يتم تصحيح هذا الاختبار من خلال حصر عدد الانتقالات الذهنية بين الفئات الفكرية التي استخدمها المبحوث في الإجابة، باعتبار أن لكل نقلة ذهنية درجة واحدة ،ثم تجمع درجات المبحوث للحصول على درجة كلية للمرونة التلقائية.

وبالنسبة لاختبار النتائج البعيدة الذي استخدمناه لقياس الأصالة ،فهو يحتوي على أربعة مواقف، يطلب فيه من المبحوث كتابة أكبر عدد ممكن من النتائج المترتبة على حدوث كل منها، وذلك في خلال دقيقتين لكل موقف.  وتم تصحيح الاستجابات من خلال محكين أساسيين هما:

1-ملاءمة ومهارة الاستجابة :فالاستجابة غير الملائمة وغير الماهرة تم استبعادها من فئة الاستجابات الأصيلة ،ولو كانت نادرة.

2-ندرة الاستجابة :تم تقدير مدى ندرة  الاستجابات الملائمة والماهرة لكل موقف من مواقف الاختبار ،من خلال قسمة عدد الاستجابات المقبولة التي وردت في الموقف على العدد الكلي للأفراد مضروباً  في 100 .وبعد ذلك صححت استجابات كل فرد من أفراد العينة كالآتي:

أ- الاستجابات التي تكـررت في العينة من 1 – 5 % تقدر بخمس درجــات.

ب– الاستجابات التي تكـررت في  العينة من 6-10 % تقدر بأربع درجــات.

ج- الاستجابات التي تكـررت في  العينة من 11- 15% تقدر بثلاث درجـات.

 ء- الاستجابات التي  تكـررت في العينة من 16-20 % تقـدر بــدرجتـين .

        ه-الاستجابات التي تكـررت في العـينة من 21-25 % تقدر بدرجة واحــدة.

وتحسب درجة الأصالة لكل مبحوث باستخراج حاصل جمع درجات المبحوث في المواقف   الأربعة التي يتضمنها المقياس. وللتحقق من ثبات الاختبارات الإبداعية فقد تم حسابه من خلال معامل ألفا كرونباخ للاتساق الداخلي فكـان (85,) ، أما فيما يتعلق بصدقها العاملي في العينة الحالية فقد تم تحليلها عاملياً ،بنفس أسلوب التحليل العاملي لمقياس الاتجاه . وبداية يتم حساب المصفوفة الارتباطية بين متغيرات القدرات الإبداعية،فكان معامل ارتباط بيرسون بين الطلاقة والمرونة( 46,) ، وبين الطلاقة والأصالة (68, )،وبين المرونة والأصالة (78,) ، وهي معاملات مرتفعة الدلالة (001,، على الأقل) . وقد تم إجراء الاختبارات السابق إجرائها للتحقق من صلاحية بيانات الاختبـارات الإبداعية للتحليل العـاملي ،فكان مقـدار محدد المصفوفة الارتباطية IRI  (205,). وحسب معامل اختبار بارتليت فكان مقـداره (358.83)، وهو دال عند مستوى يفـوق 001 , . ثم حسبت معاملات MSA  لكل متغيرات الإبـداع فكانت  ( 65,) للطلاقة، و (67, ) للمرونة ، و(68,) للأصالة، وهي جيدة إلى حد كبير.  وبعد التحقق من صلاحية البيانات للتحليل تم إجراء التحليل العاملي بأسلوب المكونات الأساسية، مما أدى إلى استخلاص عامل واحد (بدون تدوير) يفسـر (76.16%) من التباين الكلي وبجذر كامن (2.29).  وقد كانت تشبعات كل من الطلاقة والمرونة والأصالة على هذا العامل  ( 95, ،86, ،81,) ، على التوالي .أما عن قيم شيوعها على العامل فكانت (65, ،74, ،90, ) ، وهي شديدة الوضوح، مما يمكننا من تفسير هذا العامل بسهولة وهو "القدرة على الإبداع أو القدرة على التفكير التفارقي".      

3- إجراءات جمـع البيـانات.

تم جمع بيانات البحث بأسلوب الاستخبار باستخدام مجموعات صغيرة من العاملين ،يتراوح حجم كل منها من ثلاثة إلى أربعة أفراد ، وذلك بمواقع عملهم .وتستغرق الجلسة حوالي ساعة. وروعي في اختيار عينة البحث توفر الرغبة من قبل المبحوثين ،بالإضافة إلى توفر قدر من التعليم يمكنهم من قراءة وفهم أسئلة المقاييس ،ولذلك راعينا ألا يقل مستوى تعليم المبحوث عن الابتدائية ويحسن مهارات القراءة والكتابة. وبعد جمع البيانات تم تحليلها إحصائيا واستخلصنا النتائج التي نعرض لها فيما يلي.

ثالثاً : نتائج البحث

ويمكن أن نقدم لنتائج البحث في عدد من الجوانب كالأتي: 

1-الإحصاءات الوصفية

تم حساب كل من المتوسط الحسابي والانحراف المعياري ومعامل الالتواء  ،لكل متغيرات البحث لاختبار مدى اقتراب بيانات العينة من التوزيع الاعتدالي Normal distribution .وكشفت النتائج عن قربها من هذا التوزيع، مما يمكننا من استخدام الأساليب الإحصائية المعلمية (البارامترية) Parametric statistics.

2-العلاقات الارتباطية المنحنية بين الاتجاهات نحو التكنولوجيا والقدرات الإبداعية.

تم حساب نسب الارتباطCorrelation ratios  (إيتا) Eta للتحقق من وجود ارتباط منحني أو عدمه .باستخدام حـزمة برامج SPSS ،والتي يتم حسابها بين متغيرين أحـدهما كمي والأخر فئوي . ولذلك قسمت عينة البحث ، وفقاً لكل متغير من متغيرات الإبداع إلى أربعة أقسام متدرجة، كمتغيرات تابعة وكشفت نتائج  نسب الارتباط عن وجود ارتباط منحني بين الاتجاهات نحو التكنولوجيا والقدرات الإبداعية.

3-الفروق في الاتجاهات نحو التكنولوجيا بين المنخفضين والمرتفعين في القدرات الإبداعية 

للكشف عن هذا الجانب تم حساب كل من المتوسط الحسابي والانحراف المعياري لمتغيرات الاتجاه لدى كل من المنخفضين والمرتفعين في إجمالي الدرجة على القدرات الإبداعية الثلاث (الطلاقة والمرونة الأصالة ).  بحيث تمثل عينة المنخفضين ربع العينة الأدنى ،الذي حصل على أدنى الدرجات في إجمالي القدرات الإبداعية ،بينما يمثل المرتفعون ربع العينة الأعلى الذي حصل على أعلى الدرجات في نفس المتغير. ثم حسبت دلالة الفروق بين المتوسطات باستخدام اختبار "تامين ت2"Tamhane’s T2  ، وهو اختبار للمقارنات الثنائية الذي يعتمد على اختبار "ت" المعروف، ويستخدم في حالة عدم تساوي التباين  في المجموعتين، (SPSS,1997). وتشير نتائج هذا التحليل. إلى ما يلي :

أ-يتبنى العاملون الحرفيون – سواء من المنخفضين أو المرتفعين في قدراتهم الإبداعية – اتجاهات إيجابية ضئيلة في شدتها نحو كل من التغير التقني و آثاره والتشغيل الذاتي و آثار التقنيات الحديثة .

ب- يحتفظ العاملون منخفضو الإبداع باتجاهات إيجابية نحو الانفتاح على الخبرات التقنية، بدرجة  أكبر منها لدى مرتفعي القدرات الإبداعية .

ج _ وتزداد الاتجاهات الإجمالية نحو التكنولوجيا الحديثة بدرجة دالة لدى منخفضي القدرات الإبداعية ، عنها لدى المرتفعين .

ء _ ومن خلال النتائج لوحظ أن مرتفعي القدرات الإبداعية يتخذون موقفاً وسطاً بين منخفضي الإبداع والمرتفعين في اتجاهاتهم نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة من جهة، والعينة الكلية التي تتوفر لديها هذه الاتجاهات بدرجة أقل من جهة أخرى.

تلك هي الصورة العامة للاتجاهات لدى العاملين المنخفضين والمرتفعين في قدراتهم الإبداعية. وللكشف عن ملامحها التفصيلية فقد تم حساب متوسط درجات كل بند من بنود المقياس كل  على حدة. ونظراً لأن مدى درجات كل بند يتراوح بين درجة واحدة  وسبع درجات ،فإن الدرجة "3" فأقل تعبر عن اتجاه سلبي نحو موضوع البند، بينما تعبر الدرجة "5" فأكثر عن اتجاه إيجابي. وبذلك المحك تم تحديد الاتجاهات الإيجابية (التفضيلية) والسلبية (غير التفضيلية) لدى كل من منخفضي ومرتفعي القدرات الإبداعية. وكشفت هذه الخطوة عن نتائج لا يتسع السياق لعرضها في صورتها الرقمية، ولذا نكتفي بوصفها كالتالي:

أ-في هذا المستوى من التحليل لا نجد فروقاً جوهرية بين منخفضي ومرتفعي القدرات الإبداعية من حيث اتجاهاتهم الإيجابية والسلبية نحو التكنولوجيا الصناعية الحديثة.

ب-يعتقد كل من منخفضي ومرتفعي القدرات الإبداعية في دقة ناتج الحاسبات الآلية في العمل وقدرتها على توفير فرص عمل أمام العاملين ، ولذلك يفضلون تعلمها ، لكنهم في نفس الوقت يعتقدون في صعوبة تعلمها.

ج- يعتقد أفراد المجموعتين في ضرورة التغيير التقني وحاجتهم إليه من أجل تحسين ظروف العمل وتنمية كفاءتهم الفنية ويثقون في قدرتهم على التوافق معه ،كما يعتقدون في أن التغيرات التقنية تحقق مصالح العاملين، كما يدركون سهولة تشغيل الآلات ذاتية التشغيل، ولذلك يفضلون - بصفة عامة – التطورات التكنولوجية، وفي نفس الآونة يخشون أن تؤدي إلى خفض في الأجور. 

ء-ورغم اعتقادهم في أهمية التطوير ودوره في زيادة الإنتاج، إلا انه يؤدي إلى خفض مستوى الجوانب الفنية والجمالية للمنتج ،بالمقارنة بالمنتجات اليدوية التي تنتج باستـخدام أدوات أو آلات بسيطة.

هـ – وعلى الرغم من اعتقادهم في أهمية تطوير الآلات وطرق العمل ، إلا انهم لا يثقون في إدارة التطوير، إذ نجد لدى المجموعتين معتقدات سلبية عن الآلات المستوردة، وعدم ملاءمتها لاحتياجاتنا، والاعتقاد في أن استيرادها يتم لأهداف لا تتعلق بالتطوير أو التحسين ،منها التظاهر بالتقدم أو لتحقيق منافع شخصية .

و-ويعتقد كل من المجموعتين في ضرورة الاستفادة من الدورات التدريبية والانفتاح على الخبرات الفنية للآخرين ،وتوقع الاستفادة من الحوار الفني مع الزملاء ولو كانوا أقل عمراً .  ومع ذلك يعربون عن الشعور بالخجل (أو الحرج) من الاستفسار عن أشياء يجهلونها في أعمالهم، كما يشعرون بالملل من  الحوار الفني، بالإضافة إلى ذلك يشعرون بالخجل من الآخرين- أقارب أو معارف-لو علموا بأنهم لا زالوا يتعلمون أمورا فنية يجهلونها .

وبعد استكشاف الملامح العامة للاتجاهات وعدم الوقوف على الفروق في الاتجاهات بين منخفضي ومرتفعي القدرات الإبداعية ، نتجه نحو مزيد من التحليلات التي تحاول الكشف عن طبيعة العلاقة بين هذين المتغيرين .

4- الفروق في الاتجاهات نحو التكنولوجيا بين العاملين من مختلف مستويات القدرات الإبداعية 

تم تقسيم العينة وفقا للدرجة الكلية للقدرات الإبداعية إلى ثلاثة مستويات "أدنى و أوسط و أعلى" بحيث يمثل كل مستوى حوالي ثلث العينة. وبعد ذلك تم حساب تحليل التباين أحـادي الاتجاه One way analysis of variance للمقارنة بين مختلف مستويات القدرات الإبداعية، من حيث درجة الاتجاه على البند .ولم تكن هناك فروق دالة في ظل هذا التحليل، على معظم البنود ، ماعدا ثلاثة عشر .

وقد تم حساب اختبار "بونفيروني" Bonferroni - في حالة دلالة "ف"- للكشف عن دلالة واتجاه الفروق بين المتوسطات لعدة مجموعات. و يعد اختبار بونفيروني  Bonferroni Test أحد الاختبارات الإحصائية التي تستخدم في  المقارنات المتعددة بين المتوسطات لأكثر من مجموعتين P  ost Hoc Multiple Comparisons Tests ، وهو يشبه الى حد ما بقية الاختبارات من هذا النوع ويعطي نتائج مقاربة، مثل اختبار "توكي"Tukey  واختبار "ت" لسيداك Sidak's t Test   اختبار "شافيه" Scheffe ، إلا أن الاختبار الأول أكثر ملاءمة في حالة صغر عدد المقارنات الثنائية  (.( SPSS,1997   و تشير نتائج هذا التحليل إلى أن العاملين المرتفعين في قدراتهم الإبداعية يتميزون عن المنخفضين في درجة أكبر على بعض عناصر الاتجاه الإيجابية، كتقبل كل من استخدام الحاسب الآلي والعمل مع الخبراء الأجانب، وهم أيضاً أكثر اعتقاداً في سهولة تعلم الحاسب الآلي وأهميته لزيادة فرص عمل الخريجين، وأكثر ميلاً لاستخدام الحاسب الآلي وأكثر شعوراً بالكراهية للعمل على آلة يتحكم فيها الحاسب الآلي.كما أنهم أكثر اعتقاداً في انتشار التلوث الناجم عن التقنيات الحديثة، وأقل ثقة في سياسة استيراد الآلات الحديثة. بينما أفصح منخفضو القدرات الإبداعية عن درجة أعلي – بالمقارنة بالمتوسطين – من الشعور بالملل من الأحاديث الفنية، وكذلك الشعور بالخجل من الآخرين عند الاستفسار عن أمور فنية لا يعرفونها .

5-الفروق في القدرات الإبداعية بين العاملين من مختلف مستويات   الاتجاه نحو التكنولوجيا 

للمقارنة بين العاملين من مختلف مستويات الاتجاه نحو التكنولوجيا من حيث قدراتهم الإبداعية، تم تقسيم عينة البحث إلى ثلاثة مستويات (أدنى و أوسط و أعلى ) من حيث كل متغير من متغيرات الاتجاه (الستة) ، بحيث يمثل كل مستوى حوالي ثلث العينة.  وبعد ذلك تم إجراء ستة تحليلات للتباين أحادي الاتجاه  One way analysis of variance  ، لكل متغير من متغيرات الإبداع، باعتبار كل منها متغيرات تابعة، في حين تعتبر متغيرات الاتجاه بمثابة متغيرات مستقلة. وكشفت نتائج تحليلات التباين إلى الآتي:

أ-ليس هناك فروق دالة على كل من الطلاقة والمرونة ، يمكن أن تعزى إلى أي متغير من متغيرات الاتجاه .

 ب-هناك فروق دالة بين أفراد العينة من حيث قدرة الأصالة ، مرتبطة بفروق في كل من الاتجاه نحو التشغيل الذاتي والاتجاه الكلي نحو التكنولوجيا .

 ج-توجد فروق في الدرجة الكلية للقدرات الإبداعية ، يمكن عزوها إلى فروق في الاتجاه نحو التشغيل الذاتي

و تشير نتائج اختبارات "بونفيروني" التي تم حسابها للتحقق من وجهة الفروق الدالة التي كشف عنها تحليل التباين إلى ما يلي:

 أ- أن منخفضـي الاتجاه نحو التشـغيل الـذاتي أكثر أصـالة بدرجة دالة من المرتفعـين.

 ب- كما كان متوسـطو الاتجاه نحو التشغيل الذاتي أكثر أصالة بدرجـة دالة من المنخفضين.   

 ج- في حين مستوى الدرجة الكلية للقدرات الإبداعـية لدى منخفضي الاتجاه نحـو التشغيل الذاتي أعلى بدرجة دالة من المرتفعـين ،وكذلك كان المتوسطون في هذا الاتجاه  أعلى في قدراتهم الإبداعية من المرتفعين في نفس الاتجاه .

  د-ويتوفر لدى أدنى الأفـراد في اتجاهـاتهم الكلية نحو التكنولوجيا الحديثة درجـة أكبر من الأصالة بالمقارنة بالمرتفعين في الاتجاه .

6-الفروق في القدرات الإبداعية بين العاملين من مختلف المستويات   العمرية والتعليمية

للتحقق من وجود هذه الفروق تم إجراء تحليل التباين ثنائي الاتجاه Two ways analysis of variance  ، لكل متغير من متغيرات الإبداع، وذلك باستخدام تصميم عاملي Factorial design يعتمد على تقسيم العينة إلى ست مجموعات، وفقاً لكل من فئة العمر ومستوى التعليم، باعتبار كل منها متغير مستقل، بينما يعد كل متغير من متغيرات الإبداع بمثابة متغير تابع.  وتضم فئة العمر ثلاث مستويات . أما فئة التعليم فهي تضم مستويين هما : مؤهل متوسط أو ثانوي فأقل و مؤهل فوق المتوسط. وكشفت عن وجود فروق في القدرات الإبداعية دالة ( تتجاوز دلالتها 0.001) بين العاملين منخفضي التعليم من جهة ومرتفعي التعليم من جهة أخرى، في حين لا توجد فروق دالة في هذه القدرات تعزى إلى فروق في  العمر. بالإضافة إلى وجود تفاعل دال بين العمر والتعليم في الكشف عن فروق بين العاملين من حيث الطلاقة. وتشير نتائج اختبارات "ت" إلى أن العاملين مرتفعي التعليم أكثر قدرة على التفكير الإبداعي من أقرانهم منخفضي التعليم.

وفيما يتعلق بالتفاعل بين العمر والتعليم في الكشف عن فروق دالة في الطلاقة تم حساب متوسط الطلاقة لدى المجموعات الفرعية الست، والمقارنة فيما بينها باستخدام اختبار " توكي* " لدلالة الفـروق بين المجموعات  Tukey’s honestly significant difference test  . ويتبين من هذا التحليل أن صغار العمر (20-30سنة) أكثر طلاقة في ظل ارتفاع مستوى التعليم من كل من متوسطي وكبار العمر. وأن صغار العمر أيضاً أقل طلاقة إن كانوا من منخفضي التعليم. وكلما ازداد العمر تتلاشى الفروق بين منخفضي التعليم ومرتفعي التعليم من حيث الطلاقة. تلك هي أهم نتائج البحث وفيما يلي نعرض لمناقشتها.

رابعاً: مناقشــة النتــائج

أشارت نتائج البحث في مجملها إلى وجود علاقة ارتباطيه منحنية بين اتجاهات الحرفيين نحو التكنولوجيا الحديثة ،من جهة وقدراتهم الإبداعية من جهة أخرى .وهو ما يشير إلى تحقق الفرض الأول، ويتسق في الوقت نفسه مع التوجه المنحني في علاقة سمات الشخصية بوجه عام والقدرات الإبداعية.    (السيد ،ع،1971 ، الملا ، س ،1972)

ولذا فإن الأخذ المفرط بالتكنولوجيا الحديثة والتغيرات التقنية، أو العزوف عنها قد يعبر عن حالة من عدم الاتساق بين عدد من الخصال الانفعالية والدافعية والعقلية، الذي يصاحبه أدنى مستوى من القدرات الإبداعية .في حين يمثل التقبل الوسط خاصية ميسرة لنمو أو ظهور درجة أكبر من القدرات الإبداعية. ولذلك يشير البعض إلى أن المعتقدات القوية تعوق الإبداع، فوجود معتقد قوي في شيء أو أمر ما لا يحد فقط من بدائل السلوك، و إنما يقيد أيضاً من طريقة إدراكنا لهذا الشيء و معالجتنا للمعلومات المتصلة به (Cave,C.,1998). 

والقابلية المفرطة للتغيير تمثل إحدى خصائص الكائنات الأولية هلامية التكوين التي لا تحتفظ بكيان معين، ولا تؤدي إلا القليل من الوظائف الحيوية البسيطة . على نقيض الإنسان الذي عليه أن يحتفظ بحالة من الاستقرار النسبي، والتوازن الداخلي بقدر يمكنه من أداء العديد من الوظائف النفسية والعقلية المتفاوتة في درجة تعقيدها. ولذلك لا يتقبل كل التغيرات المطروحة، وفي كل الأوقات. ذلك لأن المبدع يتسم بالمثابرة وليس مستعدا دائماً للتغيير، وهو بالتالي إذا بدأ مهمة يجد من الصعب التوقف عن أدائها. Mackinnon,D.,1960 & Martindale,C.,1989 ))

كما أن التغيير المستمر لا يمكن الفرد من إبراز ومعالجة التفاصيل Elaboration ، فلا يعايش الخبرة عقليا ولا ينضج فكريا ، وبالتالي تقل لديه احتمالات نمو القدرات الإبداعية ، والتي هي في حاجة إلى قدر من  الاتجاه نحو التغيير، بحيث يتعرض لأفكار وخبرات جديدة تنطوي على مشكلات متجددة ومنشطة لنمو قدراته و مهاراته الإبداعية.

والإفراط في تبني اتجاهات إيجابية نحو التغيرات التي تقدمها الإدارة - أو نحو التكنولوجيا الحديثة – قد يشير إلى درجة مرتفعة من المجاراة .ولا ينمو الإبداع في مجتمع تسود فيه قيم المجاراة والتقبل  السطحي لكل جديد، والانصياع لضغوط الإدارة . مثلما لا ينمو في ظل الانغلاق والتمسك بالقديم قليل الجدوى (Bakker, 1990,p.199). كما أن السياق الاجتماعي السائد تمارس فيه التسلطية كأسلوب للضبط الاجتماعي من قبل الإدارة أو جماعة العمل، والتي تتطلب من أفرادها الطاعة والمجاراة، إذ قد نلاحظ في الفرد الأكبر سناً أو مكانةً أنه ينتظر من الصغار أو الأقل مركزاً الطاعة وعدم مخالفة توقعاته (أنظر:سليمان،ع،1976،1985). ومن هذا المنطلق ليست كل مستويات الاتجاه الإيجابي نحو التكنولوجيا والانفتاح على الخبرات الجديدة ترتبط بارتفاع القدرات الإبداعية .

وشخصية المبدع لا تتفق مع الشخصية التسلطية أو المتطرفة (إبراهيم،ع،1978،ص ص 122-123).و المبدع لا يتقبل كل التغيرات المطروحة، لعدة أسباب منها قدرته على التفكير الناقد و الحكم المستقل، ولذلك يقاوم التغيرات التي يراها غير ضرورية، أو غير ملائمة، مهما كانت جديدة .

و يعبر الانخفاض في الاتجاهات نحو التكنولوجيا الحديثة عن حالة من الجمود والتصلب الذهني، فتقل الخبرات والأفكار التي يتعرض لها العامل، ويلتزم بعادات العمل الشائعة، مما يجعل قدراته الإبداعية في أدنى مستوى.  ولذا يجب أن يتوفر قدر معتدل من الاتجاه يمكن الفرد من أن يطل على مساحة أكبر من الواقع الجديد، بدلا من الانغلاق على جزئية معينة ثابتة، مهما كانت جيدة، وينفتح على الواقع و مستجداته، و يمهد الطريق لتطويره بصورة إبداعية. ولذلك يشير "سويف" إلى أن لا يمكن أن يكون المثل الأعلى مجتمعا تخلو قيوده وضغوطه من التصلب والثقل، إطلاقاً. فهذا المجتمع لا وجود له ولا يمكن أن يوجد، لأن هذه القيود والضغوط أدوات لحماية المجتمع من التفكك والانهيار. لكن المثل الأعلى وسط محمود بين الميوعة والتحجر.(سويف،1993،ص 70)

ويشير الارتباط المنحني بين الاتجاه نحو التشغيل الذاتي والقدرات الإبداعية  إلى أن الدرجة المرتفعة على هذا الاتجاه تعبر عن ميل إلى خفض متطلبات العمل من الجهد البدني والذهني، وذلك على النقيض مما يتطلبه العمل الحرفي .  ولذا فان الدرجة المرتفعة على هذا الاتجاه ترتبط بالانخفاض في القدرات الإبداعية، وهو ما يتفق مع نتيجة مهمة في هذا البحث، إذ كشف المرتفعون في قدراتهم الإبداعية - على عكس المنخفضين - عن عدم الرغبة في العمل على الآلات ذاتية التشغيل لعدم تحكم العامل فيها.  بينما يفضل منخفضو القدرات الإبداعية العمل على تلك الآلات ذاتية التشغيل ، التي لا يتحكمون فيها، ويقل لديهم ـ بالتالي ـ الشعور بالمسئولية. والعامل الحرفي الذي يتطلع إلى العمل على آلات متقدمة في الميكنة ولا يتحكم فيها ويقضي معظم وقته في مراقبة نظام عمل متكامل ، ذلك العامل غالباً لا تتوفر لديه إمكانيات التطوير والابتكار .وتذكرنا هذه النتيجة بدراسة أجراها "جيس" بيوغسلافيا سنة 1981،كشف فيها عن علاقة عكسية بين مستوى الآلية في العمل ودرجة إدراك العاملين لإمكانية الإبداع ((Jez,V.,1981. ولذا فإن بمراجعة تراث بحوث الإبداع نجد أن التفكير الإبداعي يرتبط بكل من تعدد الاهتمامات واتساعها والجاذبية للتعقيد وارتفاع مستوى الطاقة السلوكية( and  Barron, F.  & Harrington, D. 1981 Mackinnon ,D.,1962).

 ومن المرجح أن العاملين المرتفعين في قدراتهم الإبداعية يتطلعون إلى التكنولوجيا التي تتسم بالتنوع فيما تتطلبه من المهارات والقدرات، بالإضافة إلى الاستقلالية والشعور بالمسئولية عن ناتج أعمالهم .  وهذه المتطلبات هي خصائص العمل المثيرة للدافعية إلى الإنجاز، وفقاً لنظرية "خصائص العمل"، التي قدمها كل من "هاكمان و أولد هام سنة 1976  (, G. 1976 Oldham Hackman, J. &).

وعلى الرغم من اعتقاد العامين في أهمية تعلم الحاسبات الآلية واستخدامها في العمل، يعتقدون في صعوبة تعلمها، وقد يرجع ذلك إلى عدم خبرتهم بها. ومن شأن التدريب أن ينمي اتجاهات أكثر إيجابية نحوها. وقد كشفت دراسات عدة عن تحسن اتجاهات العاملين والمديرين نحو الحاسب الآلي بعد التدريب ، أو بعد استخدامه.

               ( O Brien, G.&  Wilde, W.,1996, Slaughter, L. et al., 1995 and Antoni,C., 1990)

وبالمقارنة بين المنخفضين في القدرات الإبداعية والمرتفعين ، نجد أن اتجاهات أفراد الفئة الأولى نحو التكنولوجيا أعلى منها لدى أفراد الفئة الأخيرة، وبذلك يتحقق الفرض الثاني لهذا البحث. فالمنخفضين في القدرات الإبداعية أكثر انفتاحا على الخبرات التكنولوجية دون تحليلها ،يدفعهم إلى ذلك مجرد دافع الفضول دون مثابرة في محاولة الفهم الناقد لإيجابياتها وسلبياتها، لذلك يبحثون عن خبرة أخرى جديدة. بينما نجد مرتفعو القدرات الإبداعية يتأنون في الانفتاح على التكنولوجيا الحديثة ، ويتخذون موقفا وسطاً بين منخفضي القدرات الإبداعـية والعينة الكلية. ويبرر ذلك في ضـوء ما كشفت عنه بحوث الإبداع، إذ يقضي المبدعون وقتا طويلا منشغلين في موضوع معين ويتسمون بدرجة مرتفعة من القدرة على التقويم، كما  يتسمون بالميل إلى التعقيد والانفتاح على الخبرات الخصبة، ومنها خبرات عالمهم الداخلي(Mackinnon,D.,1962 and Mansfield, R.,& Busse, T., 1981,pp.53-54) .

وينشغل مرتفعو القدرات الإبداعية بتحليل وتقييم التكنولوجيا الحديثة ومتطلباتها ،وربما يقضون وقتاً طويلا في ذلك النشاط، مما يشير إلى سمة المثابرة. وهنا قد يسأل البعض : أليست هذه السمة تعكس حالة من التصلب ؟. والإجابة بالنفي، حيث يشير "سويف"إلى وجود ركنين أساسيين ،بدونهما لا تقوم المثابرة : مواصلة العمل ، هذا ركن، واتجاهه نحو هدف معين، وهذا هو الركن الثاني، ومواصلة العمل وحدها لا تدخل حتماً في سمة المثابرة، بل قد تدخل في سمة التصلب (سويف،م ، 1983،ص241).

 ومع تزايد قدرة العاملين على التفكير الإبداعي لا يفضلون  التغيرات التي تأتيهم من مصادر خارجية، بقدر ما يفضلون التغيرات التي تأتي من داخلهم. أي أنهم ينتقون الخبرات التي تكمن فيها فرص وجود المعـلومات أو المشكلات أو الخبرات التي تعمل على تنمية قدراتهم، أو تتطلب منهم تفكيرا  إبداعيا، إذ ليست كل الخبرات التقنية جيدة لمجرد أنها جديدة، وليست بالضرورة كل محاولات التغيير تفضي إلى تقدم.

أما فيما يتعلق بالفرض الثالث فلم تتحقق صحته، إذ جاءت معظم نتائج تحليل التباين في غير الاتجاه العام للفرض، ولم يكشف التصميم العاملي المستخدم عن الفروق التي أظهرها الارتباط المنحني. وقد تم عمل رسوم انتشار Scatterplots  للتعرف على شكل العلاقة المنحنية بين متغيرات الاتجاه والقدرات الإبداعية، فكانت المنحنيات تميل إلى التعرج، مما يشير إلى وجود مناطق ذات مستويات أو درجات ارتباطيه مختلفة بين توزيعي المتغيرين. أي هناك عدد محدود من مستويات الاتجاه يصاحبها ارتفاع في القدرات الإبداعية، ومستويات أخرى ترتبط بانخفاضها. مما يرجح وجود متغير وسيط  Moderator  variable أو أكثر، يؤدي دورا في تشكيل العلاقة بين المتغيرين. و يتطلب الموقف الراهن بحوثا إضافية، تهتم بدراسة دور عدد من المتغيرات الوسيطة، كسمات الشخصية والدافعية للعمل والرضا عنه وفعالية الذات المهنية Occupational self efficacy  وأساليب القيادة، وخاصة التي تتصل بالتغيير وتنمية العاملين. ذلك لأن أي خاصية شخصية ينبغي النظر إليها من حيث درجة توفرها لدى الشخص وعلاقتها بباقي الخصائص الممثلة لبناء الشخصية، وطبيعة التفاعل بين جزئيات هذا البناء وغيره من الأبنية النفسية داخل الشخص نفسه وبين غيره من الأفراد (حنورة ، 1997، ص 29) .

أما فيما يتصل بالمشكلة الرابعة و الأخيرة لهذا البحث، أشارت النتائج إلى أن القدرات الإبداعية لا تختلف في مقدارها باختلاف العمر أثناء مرحلة الرشد، بينما تزداد هذه القدرات بشكل واضح لدى مرتفعي التعليم عنها لدى منخفضي التعليم. مما يحقق صحة الفرض الرابع والأخير . ورغم ندرة الدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع لدى الراشدين العاملين بالصناعة، تتسق هذه النتيجة مع المنطق النظري، لما للتعليم الأكاديمي من دور معرفي في تنمية هذه القدرات. وله دور أيضاً في تنمية احترام الذات Self esteem. وقد كشفت الدراسات عن ارتباط إيجابي بين القدرات الإبداعية للراشدين واحترام الذات (Gormly, A.V.& Brodzinsky,D.M.,1989,PP.446- 447  ) .

وبذلك فإن ارتفاع مستوى القدرات الإبداعية لدى العاملين مرتفعي التعليم يعزى إما إلى التأثيرات المعرفية للتعليم، أو إلى دوره في تنمية مستوى احترام الذات. أو ربما أن ارتفاع مستوى القدرات الإبداعية يؤدي إلى ارتفاع مستوى الإنجاز الأكاديمي، وبالتالي يحقق مرتفعو القدرات الإبداعية تحصيلاً أكاديمياً أكبر مما يحققه المنخفضون.  وهو ما يتسق مع ما كشفت عنه بعض الدراسات التي أفصحت عن وجود ارتباط مرتفع بين القدرات الإبداعية والإنجاز الأكاديمي.(Zhang, D.,1985)  . ومن جهة أخرى كشفت الدراسة الحالية عن تفاعل دال بين العمر ومستوى التعليم في تحديد مستوى الطلاقة، والذي يشير إلى انه على الرغم من تزايد الطلاقة لدى مرتفعي التعليم عنها لدى منخفضي التعليم، فإن هذه الفروق تقل مع تزايد العمر، لما للخبرات الحرفية من أهمية في تنمية الطلاقة، وتعوض بالتالي انخفاض التعليم، ولذا لم تكن هناك فروق دالة في الطلاقة بين منخفضي التعليم من جهة ومرتفعي التعليم من جهة أخرى في فئتي العمر المتوسط والأكبر.  أما لدى صغار العمر فإن للتعليم الدور الأساسي في ارتفاع مستوى الطلاقة، بينما كان للخبرة هذا الدور لدى كبار العمر.

وبذلك فإن معظم المرتفعين في قدراتهم الإبداعية من مرتفعي التعليم ومن مختلف الفئات العمرية. ولديهم درجة أقل من الاتجاهات الإيجابية نحو التكنولوجيا الحديثة، منها لدى المنخفضين.

وفيما يتعلق بالصورة العامة لاتجاهات الحرفيين نحو التكنولوجيا فهي تميل إلى الإيجابية إذ يعتقدون في حتمية التغيير التكنولوجي، من أجل تحسين ظروف العمل وزيادة الإنتاج وتنمية مهاراتهم. وبذلك فإن هذه الاتجاهات تختلف عن اتجاهات عمال اليابان ، إذ كانت سلبية ويعتقدون أنهم لن يعملون جيداً مع الحاسبات الآلية، كما أنهم أقل اعتقاداً من العمال الأمريكيين في أن التدريب على الحاسبات سيكون سهلاً Slem, C.,1995)).

ورغم اتجاهات اليابانيين السلبية نحو التكنولوجيا ، فهم من أكثر دول العالم إنجازاً ،ذلك لأن المبدع في اليابان لا يعاني من المعوقات الاجتماعية التي تحول دون إبداعه ،إذ تتبنى جماعات العمل معايير مرتفعة في للإنتاجية وتشجع التفكير الإبداعي .( للمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع إلى: تورانس ،إ ، 1980، Soliman,A. & Torrance, E., 1986).

ويبقى في النهاية أن نشير إلى أن من عناصر الاتجاه السلبية لدى مختلف العاملين الحرفيين في هذا البحث كانت عدم الثقة في إدارة التطوير وعدم الرضا عن الآلات التي استوردتها الإدارة والاعتقاد في انخفاض الجوانب الفنية في مخرجاتها وتوقع خفض الأجور. وقد أشارت بحوث عديدة إلى أن عدم الثقة في الإدارة يعد أحد المؤشرات المهمة للتنبؤ باتجاهات العاملين نحو التكنولوجيا الحديثة.

R., 1977,p.80), (Laporte, T. & Metlay, D., 1975 and Zaltman, G., & Duncan     

وقد يرجع عدم الثقـة في إدارة التطوير إلى ضعف قنوات التواصل بين العاملين والإدارة، بالإضافة إلى ضعف مستوى المهارات الاجتماعية لدى العاملين أنفسهم ، إذ يشعرون بالخجل من الاستفسار عن أمور يجهلونها في أعمالهم، ويشعرون كذلك بالخجل من الأقارب والمعارف نتيجة التعلم في دورات  تدريبية ،كما يعانون من الملل نتيجة الحوارات الفنية .  وبذلك يمكن أن نشير إلى أن بعض المؤسسات الصناعية يسودها مناخ يفتقد إلى التواصل الفعال بين العاملين والإدارة ، وكذلك بين العاملين وبعضهم البعض، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعوق نمو أو ظهور الأفكار الإبداعية . 

والأمر على ذلك النحو يوجب على الإدارات أن تستعين بالخدمات النفسية في العمل على تحسين التواصل الفني بين العاملين والإدارة، وبين العاملين وبعضهم البعض، والتخطيط الجيد لسياستي التطوير والإبداع من خلال الموازنة بين متطلبات كل منهما، بشقيه الفني والبشري ، وأن تعمل على مشاركة العاملين في التخطيط للتطوير، إذ كشفت دراسات عديدة أن الاتجاهات نحو التغير التكنولوجي أصبحت أكثر تفضيلاً عندما تعمل الإدارة على تكوين وتدعيم فرق عمل من العاملين لتشارك في التخطيط للتغيير والإشراف على تنفيذه  Young, A., 1991) . Levi, D., Slem, C. &)

كما يدعم هذا التوجه قيام الأخصائي النفسي بقياس اتجاهات العاملين نحو كل من  سياستي التطوير والإبداع، والتكنولوجيا الحديثة المقترح استخدمها. فالتغيير المفاجئ وغير المدروس يؤثر بصورة سلبية في اتجاهـات العاملين نحوه، ويقلل بالتالي من فعاليتهم في استخدامه ( (Gattiker,U. et al., 1988. وعلى المؤسسات أن تستعين بالخدمات النفسية لتحسين قنوات الاتصال بين مختلف عناصر المنظمة وتنمية مهارات الاتصال والعمل على تهيئة مناخ ميسر للإبداع يعتمد على إثارة دافعية العاملين الموجهة نحو المهمة، وتوفير المعلومات وقابلية الخبرات للانتقال والتبادل وتنمية القدرات الإبداعية للعاملين وتعديل اتجاهاتهم نحو التكنولوجيا الحديثة بدرجة تحقق نمواً في قدراتهم الإبداعية .

خامساً : مراجع البحث

أولا :المراجع العربية

1-إبراهيم، عبد الستار، آفاق جـديدة في دراسـة الإبداع، الكويت: وكالة المطبوعات 1978.

2-إبراهيم، محمد إسماعيل ، معجم الألفاظ والأعلام القرآنية ، القاهرة:دار الفكر العربي، 1986.

3-ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم، لسان العرب، بيروت: دار صادر للطباعة والنشر، 1995 .

4 –تورانس ،إليس بول، دروس عن الموهبة والابتكـار نتعلمها من أمة ذات 115 مليون فائقي الإنجـاز ، (ترجمة : عبد الله  سليمان). مجلة العلوم الاجتماعية، مجلد  8، عدد  3، 1980  ص ص 163-174.

5-حلباوي، يوسف، التقانة في الوطن العربي، مفهومها وتحدياتها، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة الثقافة القومية (21)، 1992.

6-حنورة ، مصري عبد الحميد، الإبداع من منظور تكاملي، القاهـرة: الأنجلو المصرية، 1997.

7-خليفة، عبد اللطيف، المهارات الاجتماعية في علاقتها بالقدرات الإبداعية وبعض المتغيرات الديموجرافية لدى طالبات الجامعة، حوليات كلية الآداب، جامعة الكويت، حولية 17، عدد 116،1997.

8 –درويش ، زين العابدين ، تنمية الإبداع ، القاهرة : دار المعارف، 1983.

9-رمزي، ناهد، الإبـداع وسـمات الشخصية لدى الإناث: دراسـة تجريبية و عاملية ، في: مصطفى تركي: بحوث في سيكولوجية الشخصية بالبلاد العربية.(ص ص 285-307) الكويت: مؤسسة الصباح،1980.

10-سليمان، عبد الله محمود ، عوامل الابتكار في الثقافة العربية المعاصرة ،مجلة العلوم الاجتماعية  1985،مجلد 13، عدد 1، ص ص 9-34.

11-سويف، مصطفى، علم النفس الحديث: معالمه ونماذج من دراساته ،القاهرة: الأنجلو المصرية،1983.

12-سويف، مصطفى، العبقـرية في الفـن، القاهـرة: الهيئة المصـرية العامـة للكتـاب، 1993.

13-السيد، عبد الحليم محمود ،الإبداع والشخصية :دراسة سيكولوجية، القاهرة: دار المعارف،1971 .

14-الشبشيري، محمد جميل، الجات ( المنظمة الدولية للتجارة الحرة ): آثارها وانعكاساتها على الاقتصاد العربي والكويتي ،مجلة العلوم الاجتماعية 1995، مجلد 23، عدد 3،ص ص 169-181.

15-عبد الحميد، إبراهيم شوقي، اتجاهات العاملين في الصناعة نحو التكنولوجيا الحديثة وعلاقتها بالتوافق المهني ،رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الآداب جامعة القاهرة ،1991.

16-عبد الحميد، إبراهيم شوقي، علم النفس وتكنولوجيا الصناعة ، القاهرة : دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ،1998.

17-الملا، سلوى، الإبـداع والتـوتر النفسي :دراسـة تجـريبية، القاهرة :دار المعارف، 1972.


ثانياً :المراجع الأجنبية

1-Antonic, C., Video –konferenzen: einstellungen und erfahrungen von mitarbeitern im umgang mit einer neuen kommumi kationstechnik /Video coferences: Attitudes and experiences of staff with a new communications technology. Zeitschrift –fuer-Arbeits-und-Organisation Psychologyie,1990,34,3,125-134 (English abstract).

2-Bakker, N., Going creative: Becoming free, Gifted Education International, 1990,6,3,190-200.

3-Barron, F., & Harrington, D.M., Creativity, intelligence, and personality, Annual Review of Psychology, 1981,32,439-476.

4-Cave, C., Creativityweb (on- line).Available: http://www.http:www .ozemail .com .au/caveman / creative.htm,1998.

5-Chaiken, S. & Stangor, C.  Attitudes and attitude change, Annual Review of Psychology, 1987,38,575-630.

6-Dixon,W.J. & Massey,F.J., Introduction to statistical analysis ,4th.,New York: McGraw-Hill,1983.

7-Fernald, L.W., A new trend: creative & innovative corporate environments, The Journal of Creative Behavior, 1989,23,3,208-213.

8-Fry, L.W. Technology –structure research: three critical issues, Academy of Management Journal 1982,25,3,532-552.

9-Gattiker, U., Gutek, B. & Berger, D., Office technology & employee attitudes, Social Computer Review, 1988,6,3,327-340.

10-Guilford, J. P. Traits of creativity (pp. 142-161) In: H. Anderson (Ed.) Creativity and its cultivation, New York: Harper, 1959.

11-Gormly, A.V. & Brodzinsky, D.M., Lifespan human development, 4th, New York, Harcourt Brace Jovanovich College Publishers, 1989.

12-Hackman, J. R. & Oldham, G. R., Motivation through the design of work: A test of a theory, Organizational Behavior & Human Performance, 1976, 26,250-279.

13-Jackson, E., A user guide to principal components, New York: John Wiley, 1991.

14-Jez, V. Man not the machine alone –can change the world –the Yugoslavian Report, In: J. Forslin, A. Sarapata & A. Whitehill (Eds.) Automation and industrial workers: a fifteen nation study (pp. 285-303) vol.: 1,part: 2,Oxford: Pergamon Press, 1981.

15-Krech, D. & crutchfield, R. S. Theory & problems of social psychology, New York: McGraw-Hill, 1975.

16-La Porte, T.T. & Metlay, D. Technology observed attitudes of a wary public, Science, 1975,188,4184,121-127.

17-Levi, D., Slem, C.  & Young, A., Using employees participation to implement advanced manufacturing technology, International Journal of human Factors in Manufacturing, 1991,1,232-243.

18-Mackinnon, D.W., The highly effective individual, Teachers College Record, 1960,61,376-378.

19-Mackinnon, D.W., The nature and nurture of creative talent, American Psychologist, 1962,17,484-495.

20-Mansfield, R. S. & Busse, T. V., The psychology of creativity and discovery: Scientists and their work, Chicago: Nelson-Hall, 1981.

21-Martindale, C., Personality, Situation, and Creativity .In: J.A.Glover, R.R. Ronning & C.R. Reynolds (Eds.) Handbook of Creativity, (pp. 211-232), New York: Plenum Press, 1989.

22-SPSS, Statistical package for the social sciences (SPSS  for windows, Release 8.0.0), New York: SPSS Inc., 1989-1997.

23-O Brien, G. J. &Wide, W.D. Australian managers perceptions, attitudes and use of information technology, Information & Software Technology 1996,38,12,783-789.

24-Slaughter, Y .J.; Norman, K.; Shneiderman, B., Assessing users subjective satisfaction with the information system for youth services “ISYS”(on- line).Available : http :// www. /CAR-TR-768, 1995.

25-Slem, C. M., Levi, D. J. & young, A., Attitudes about the impact of technological change: Comparison of U. S. and Japanese Workers, Journal of High Technology Management Research, 1995, 6, 2,211-228.

26-Soliman, A.M. & Torrance, E. P., Styles of learning and thinking of  college students in the Japanese, united states and Kuwait cultures, The Creative And Adult Quarterly, 1986,11,4,196-204.

27-Trumbo, D. A. Individual and group correlates of attitudes toward work-related change, Journal of Applied Psychology, 1961,45,5,338-344.

28-Zaltman, G. & Duncan, R., Strategies for planned change, New York: John Wiley & Sons, 1977.

29-Zhang, D., An exploratory study of creative thinking in adolescents, Information On Psychological Sciences, 1985,2,20-25.

أستاذ د. إبراهيم شوقي عبد الحميد - مجلة الآداب والعلوم الإنسانية ( تصدرها كلية الآداب، جامعة المنيا )، 1999، مجلد33، ص ص 53-101.


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة