ميكانيكا السيارات..حرفة تمارس في غزة وسط ظروف مهنية خطيرة

غزه - أنهى الشاب أحمد دبلوم تمريض واتجه إلى دراسة الإعلام في أحد الجامعات المحلية وعندما لم يجد فرصة عمل اتجه إلى تعلم حرفة جديدة لعله يستطيع من خلالها مواجهة الظروف الحياتية الصعبة التي تمر بها عائلته.
وقال أحمد (اسم مستعار) إنه يريد من خلال تعلم الحرفة الجديدة أن يعمل بها ليستطيع الزواج وتكوين اسرة رغم أنه كان ناجحا في مجال دراسته وتخصصه إلا أن سوق العمل كان مكتظا ولم يستطع ايجاد فرصة له بين آلاف الخريجين.
 وبعد أن صمت قليلا :" حرفة في اليد تغنيك عن ذل السؤال، وهذا ما أردته من تعلم حرفة الميكانيك".
تبدو قصة هذا الشاب غريبة نوعا ما، لكنها تشبه عشرات القصص لشبان لم يجدوا أمامهم إلا تعلم حرفة جديدة من بينها حرفة الميكانيكا أو ميكانيكي السيارات التي لا تحتاج إلى شهادة أو تعلم خاص رغم وجود العديد من المؤسسات التعليمية.
وغالبا ما يتواجد كثير من الشبان في ورش ومصانع خاصة من أجل تعلم هذه المهنة وإعالة أسرهم وإذا اتيحت لك فرصة الذهاب إلى هذه الورش لإصلاح سيارتك المنتشرة في كل مكان في قطاع غزة ستجد شبانا وأطفالا يدورون بملابسهم الرثة حول سيارات حديثة وينتقلون بين أسفل السيارة وأمامها من أجل إصلاح السيارة من أعطال مختلفة.
كثير من الناس يقودون سياراتهم بعد إصلاحها مبتعدين عن المكان ومتناسين بشكل سريع قصص هؤلاء المجهولين الذين أصلحوا للتو السيارة وجعلوا سائقيها يعودون إلى أعمالهم بسرعة.
ويقول م. أ :" كل أخوتي شقوا طريقهم في التعليم، أما أنا  فاخترت هذه المهنة لأني لا أحب الدراسة ورغم إلحاح أبي وأخوتي إلا أنني صممت على تعلم هذه المهنة والتعايش معها".
وأضاف: في البداية واجهت كثيرا من الصعوبات لكنني وبعد فترة ليست بالقصيرة أتقنت هذه المهنة نقلا عن صاحب الورشة الذي لم يكن متشجعا لتعليمي هذه المهنة خوفا من المنافسة، إلا أنه كان مضطرا لذلك لأن علاقة قوية تربطه بأحد أقاربي الذي توسط لي عنده.
وأكد بعد فترة شرود قصيرة أنه واثق أن دخله سيكون كبيرا في المستقبل وسيستطيع  من خلاله تكوين ثروة كبيرة تؤهله لمواجهة متطلبات الحياة المختلفة أسوة بأخوته المتعلمين.
ويرفض م اعتبار هذه المهنة مهنة متدنية ، قائلا :" إن جميع شرائح المجتمع من أطباء ومهندسين وشخصيات اعتبارية يتوسلون دائما اصلاح سياراتهم على وجه السرعة حتى لا تتوقف أعمالهم.
وأضاف وضحكة ترتسم على وجهه :" أشعر في ذلك الوقت بالسعادة وأعرف أن مهنتي مهنة شريفة ومهمة كباقي المهن في المجتمع ".
في حين قال الطالب مجد( 16 عاما) الذي اختار أن يدرس كهرباء سيارات من خلال المدرسة المهنية لكي يتعلم المهنة على أصولها إلى جانب عدم فقدانه للشهادة التي تؤهله لدخول الجامعة وشق طريقه في الحياة.
وتابع :" ظروف قطاع غزة غير مستقرة وخريجو الجامعات ينضمون إلى قافلة البطالة الممتدة باستمرار وخوفا من الالتحاق بها رغبت في الالتحاق في المدرسة الصناعية لتعلم حرفة الميكانيكا لتكون عونا وسندا لي ان ساء الحال" .
بدوره، قال المهندس محمد السيقلي من دائرة السلامة الصحية والمهنية في وزارة العمل في قطاع غزة إنه يوجد في الوزارة أقسام تفتيش في محافظات غزة ومهمتها التفتيش ومتابعة المنشآت التي من ضمنها ورش الميكانيكا والحدادة والمشاريع الإنشائية ومحلات عادية.
وأشار إلى أن الانتقال من الأعمال اليدوية إلى الأعمال الميكانيكية ساهم في تصعيد ظاهرة   الحوادث الميكانيكية عن طريق الأجزاء الخطيرة في الماكينات وهي الأجزاء التي ينتج عن ملامستها لجسم الإنسان أضرار جسيمة أو تكون مصدرا لانطلاق أجسام تؤدي إلى أضرار جسيمة وأهمها الأعمدة والمحاور المتحركة والاسطوانات الدوارة، مضيفا أن معظم الإصابات تكون نتيجة الاصطدام بأجزاء الآلة أو تطاير أجزاء منها نتيجة حشر أجزاء من الجسم بين الأجزاء الدوارة.
وأوضح أن التعرض للمخاطر السابقة يسبب الإصابة التي تأخذ أشكالا عديدة منها القطع، والتمزق والبتر والكسر وكثير من هذه الإصابات قد تسبب عجزا دائما أو مؤقتا وقد تصل في بعض الأحيان إلى الوفاة.
يتم أخذ بيانات المنشأة من خلال برنامج سوق العمل الفلسطيني حيث تكون أول زيارة عبارة عن حصر تشتمل على عدد العمال والآلات المستخدمة والزيارات الأخرى يتم فيها إضافة وتعديل أي جديد.
ولفت السيقلي إلى أن الزيارة الدورية تتم مرتين في السنة وذلك للتأكد من استخدام الوسائل الوقائية المناسبة واتباع القوانين والتعليمات الخاصة بالسلامة والصحة المهنية والتزام صاحب العمل بتعليمات الفحوص الطبية.
وتهدف المتابعة الدائمة من دائرة الصحة والسلامة المهنية المعرفة بأية مخاطر موجودة في المنشأة والعمل ضمن بيئة وظروف عمل سليمة إلى جانب عدم العمل في حالة وجود خطر على أرواح العاملين.
وأوضح أشرف محمد النواجحة مدير عام دائرة سوق العمل في وزارة العمل في قطاع غزة أن الوزارة تعمل وفق قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لعام 2007 الذي وضح فيه عند الفصل الرابع من الباب الخامس، الأمور التي تتعلق  باشتراطات السلامة والصحة المهنية والذي يبين فيه وسائل الحماية الشخصية والحماية من الأخطار  والشروط الصحية اللازمة في أماكن العمل، ووضح القانون بعض الاشتراطات الخاصة بالفحص الطبي إلى جانب المواد (90) ، (91) صدرت حملة من اللوائح التفسيرية بناء على قرار مجلس الوزراء عام 2003 ، 2004 ، 2005 وهذه المواد توضح بعض الاشتراطات في السلامة والصحة
ويمضي قائلا: نحن كوزارة عمل قمنا بمسح شامل لجميع المنشآت العاملة في قطاع غزة وفق نماذج معتمدة من الوزارة وضحت فيها أعداد العمال ونموذج التفتيش الشامل والمختصر بناء على النماذج التي أعطت صورة شبه واضحة عن وضع المنشأة في المجالات التي تم ذكرها وتم برمجتها وإدخالها الكترونيا وفق برنامج قانون العمل الفلسطيني.
وأوضح النواجحة أنه يتم متابعة ورش الميكانيكا مرتين في السنة حيث تقوم الوزارة بزيارتهم ومن جانب آخر يقوم صاحب العمل بالتواصل مع الوزارة بشكل دوري كل شهر ان جد جديد لكي يوافي الوزارة بكافة التفاصيل كأعداد العمال وأجورهم وجنسياتهم ومؤهلاتهم وتاريخ التحاقهم.
ولفت إلى وجودة عدة زيارات تقوم بها الوزارة منها العادية والشاملة والحصر والزيارة بناء على شكوى وتكون تلك الشكوى أما بين صاحب العمل والعامل نتيجة لإصابته أو وجود خطر يهدد حياته أو انتهاك أحد حقوقه كالإجازات وساعات العمل وظروف العمل من ناحية مدى ملاءمة المكان للعمل وشكوى بين صاحب العمل والمحيطين كالجيران عند حدوث ازعاج وعوادم سيارات أو تكدس وازدحام للسيارات
ونوه إلى أن الهدف الأساسي من الزيارات هو التوعية لأن الكثير من العاملين يجهلون حقوقهم كعاملين، إضافة إلى حصر المخالفات المرتكبة من أصحاب العمل والعمال وأخذ الإجراءات القانونية اللازمة من أجل الوصول إلى بيئة مناسبة للجميع.
وأضاف أن كثيرا من ورش الميكانيكا لا تستوفي الشروط ويتم تنبيها ومتابعتها لاستيفاء الشروط وذلك حفاظا على الصحة والسلامة المهنية، مشيرا إلى أنه لم يتم إغلاق أي ورشة ميكانيكية حتى الآن وذلك لأن قرار الإغلاق يتعلق بالوزير بموجب المادية 132 والتي تقول إنه يحق للوزير إغلاق أي منشأة سواء بشكل جزئي أو كلي.
ويرى النواجحة أن واقع الميكانيكا مرتبط بالوضع الاقتصادي بشكل عام في قطاع غزة فمعظم الأسر تدفع بأبنائها للعمل لتأمين حياتهم بالحد الأدنى، مشيرا إلى أن معظم العاملين في ورش الميكانيكا هم أبناء أصحاب العمل أو أقاربهم من الدرجة الأولى وقانون العمل الفلسطيني لم يسن أي قانون يمنع ذلك.
وحول جهل العاملين بالقانون وعدم إدراكهم لحقوقهم يقول النواجحة :" في كثير من الأحيان يكون العامل هو الضحية والجاني في الوقت نفسه حيث يتهرب من تسجيل بياناته خوفا من حرمانه من طرد غذائي أو مبلغ شهري يتقاضاه من مؤسسة خيرية.
 من جانب آخر، صاحب العمل على غير استعداد للتعاون مع أي جهة حكومية بحجة الضرائب والتأمينات.
وطالب بتوفير وسائل تنفيذية على صعيد الكوادر البشرية والصعيد اللوجيستي إلى جانب التعاون الحكومي وتكاثف الجهود من البلديات ووزارة الحكم المحلي ووزارة النقل والمواصلات والدفاع المدني للوصول إلى بيئة عمل سليمة.
ولفت إلى وجود نقص بالقوانين والتشريعات، داعيا إلى تحديثها بسبب الطوارئ التي جدت على سوق العمل.

المصدر: القدس الاقتصادى


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة