‏90‏ مليار دولار سنويا لمصر من الطاقة الشمسية بالصحراء الغربية

تتعالى الأصوات في الوقت الراهن للتبصير بأن تغيرات المناخ والاحترار العالمي حقيقة واقعة وانه بدأ الاحساس بآثارها وأن الأمر تحول من مجرد تكهنات إلى يقين‏.‏

الدول المتقدمة بدأت في اتخاذ خطوات فعلية للتقليل من الانبعاثات الغازية والدفيئة والتي يأتى 25%‏ منها من توليد الكهرباء باستخدام الوقود الحفري التقليدي (بترول وفحم وغاز‏) بالإضافة الى ‏41%‏ أخرى من قطاعات الصناعة والنقل والمباني السكنية والتجارية بسبب استخدامها لذات الوقود الحفري في الإضاءة والتدفئة والأعمال اليومية‏.‏

ولا يقتصر الأمر علي هذه الانبعاثات وأضرارها المستقبلية المتوقعة علي صحة البشر ونقص إنتاج الغذاء وتلوث ونقص المياه العذبة بل إن التقرير الصادر في نهاية شهر نوفمبر‏2009‏ من برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة‏(UNDP)‏ أشار الى وجود 1.5  مليار شخص في العالم (أي ربع سكان العالم‏)‏ يعيشون في ظلام دامس ولا تصلهم أي إمدادات بالكهرباء وجميعهم في دول قارتي افريقيا وآسيا‏ وان هناك‏2‏ مليون حالة وفاة سنويا في الدول الافريقية يموتون نتيجة للأدخنة المتصاعدة من استخدامهم للفحم والأخشاب في الطهي.

كما أن نصف أعداد الوفيات في الدول الافريقية لجنوب الصحراء ناتجة عن الأمراض الصدرية وسرطان الرئة الناجمين عن استخدام الوقود البدائي نتيجة لعدم وجود مصادر صحية للطاقة سواء من الكهرباء أو الطاقات النظيفة‏.‏

لذلك بدأت الدول الكبرى في التحول الى الطاقة النظيفة والمتجددة حفاظا على حياة البشر من التغيرات المناخية الناتجة عن حرق الوقود التقليدي واحتسابا ايضا لقرب نضب هذا الوقود والنظر الى عصر ما بعد البترول والوقود الحفري‏.‏

ويعمل الجميع الآن الى التحول الى الاقتصاد الأخضر ‏GREEN ECONOMY‏ أي استخدامات الطاقات النظيفة في جميع المجالات سواء الطاقات المستخرجة من الرياح والمياه وأشعة الشمس ثم الوقود الحيوي واضعين التزاما عالميا بالحد من الانبعاثات الكربونية والغازية والحرارية بنسبة ‏80%‏ عن مستواها في عام‏1990‏ وذلك بحلول عام ‏2050.‏

وترى المنظمات البيئية ان الطاقة الشمسية هي البديل العملي والنظيف والمستدام للمفاعلات النووية التي تنتج الطاقة الكهربية ومؤيدين أيضا للعديد من المنظمات المناهضة للتوسع في إنشاء المفاعلات النووية مثل منظمة السلام الأخضر والتي استشهدت بحدوث أعطال جسيمة ومتكررة في مفاعل كرومل بألمانيا خلال شهر يوليو ‏2009‏ وهو واحد من‏17‏ مفاعلا تمتلكها ألمانيا على الرغم من أن ألمانيا هي الدولة الاوروبية الاولى التي تقرر رسميا ومنذ عام ‏2003‏ بتخليها عن الطاقة النووية بحلول عام ‏2021‏ بالإضافة الى حادث التسرب الإشعاعي الشهير من مفاعل تشرنوبل عام ‏1986‏ والتي مازالت عواقبه مستمرة حتى اليوم بالمقارنة بالطاقة الشمسية النظيفة والتي لاتطلق سموما في الجو وتقلل من الانبعاثات الغازية بعشرات ملايين الأطنان سنويا‏.‏

لذلك لم يكن بالغريب ان تتبني ألمانيا المشروع العالمي لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصحراء دول شمال إفريقيا خاصة الصحراء الغربية المصرية وصحراء تونس والمغرب‏.‏

وتؤمن الشركات الالمانية المعنية بتوليد الطاقة الشمسية من صحراء دول شمال افريقيا بأن استغلال ‏90‏ الف كيلو متر فقط من هذه الصحراء في إنتاج الطاقة الشمسية يمكن أن يولد كهرباء تكفي احتياجات كوكب الارض بأكمله‏.‏

ويرى الألمان ايضا ان العائدات السنوية التي يمكن أن تجنيها دول شمال افريقيا المشاركة في مشروع توليد الطاقة الشمسية من صحاريها المهملة يمكن أن تتجاوز ‏90‏ مليار دولار سنويا كعائد مباشر إضافة الي عائدها من تقليل الانبعاثات الكربونية والتي يمكن ان تدر ايضا دخلا كبيرا إضافيا بسعر يتراوح بين ‏10‏ و ‏20‏ دولارا لكل طن ثاني أكسيد الكربون يتم توفيره من تقليص الاعتماد على الوقود البترولي في توليد الكهرباء وبالإضافة أيضا الى ما يمكن أن تتلقاه هذه الدول من مساعدات كبيرة للنهوض ببنيتها التحتية الاساسية خاصة في المرحلة الاولى للمشروع حتى يمكنها البدء في إنجاز محطات التوليد الشمسية والبنية التحتية اللازمة لنقل الكهرباء المتولدة من الصحراء إلى الدول المستفيدة في شمال إفريقيا أو عبر المتوسط‏.‏

ويشير تقرير البنك الدولي للتنمية في العالم للعام القادم ‏2010‏ إلى أن ارتفاع الطلب على إنشاء محطات الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء أدى إلى هبوط تكلفة الخلايا الضوئية نتيجة لإنتاجها على نطاق تجاري واسع‏ حيث انخفض سعر الخلية الكهروضوئية من 25.3 دولار عام ‏1979‏ الى 3.5 دولار عام ‏2001‏ ثم الى نصف هذا الرقم حاليا وذلك نتيجة الأبحاث والابتكارات والتطوير وخفض اسعار السليكون وكميته المستخدمة في تصنيع الخلية وانخفاض معدلات أخطاء التصنيع وكمية الهالك‏.‏

وتمثل الصحراء الغربية المصرية - التي تشغل ‏68.1%‏ من مساحة مصر - كنزا كبيرا لمصر حان أوان اكتشافه ففي حين لا تبدي وزارة الكهرباء والطاقة اهتماما كبيرا بجدوى توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والاستغلال الاقتصادي للصحراء الغربية حتى الآن رغم الاجتماع العالمي عليها سواء لجدواها الاقتصادية او تأثيرها على المناخ والبيئة نجد أن وزارة الاستثمار تبدي اهتماما أكبر بأهميتها وجدوى الاستثمار المكثف فيها وفي كامل الصحراء الغربية المصرية سواء بإمكانيه استثمار زراعات الوقود الحيوي في مساحة 1.5 مليون فدان من الأراضي والمياه الهامشية غير المستغلة في منطقة الواحات لإنتاج الوقود السائل البديل للبنزين والسولار وإنشاء العديد من مصانع تكريره هناك على نمط مصنع السويس للوقود الحيوي‏ أو بتنفيذ مشروع الطاقة الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية التي تحتاجها مصر وبدأنا نعاني من عجز فيها خاصة خلال ساعات ذروة الاستهلاك في فصل الصيف ومعها أيضا توفير احتياجات دول شمال إفريقيا ووسط اوروبا بما سيخلق تنمية كبيرة لهذه المساحة غير المقدرة من الوطن ويعيد توزيع السكان ويخلق الملايين من فرص العمل ويدر عائدا اقتصاديا كبيرا للدولة ويجعل من مصر مصدرا ومركزا كبيرا للطاقة الكهربية في العالم والدول العربية والافريقية ويخرجنا من مناقشات وأخطار إنشاء المفاعلات النووية علي الاراضي المصرية وأماكن دفن نفاياتها‏.‏

المصدر: جريدة الأهرام الطبعة الأولى


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة