الضوابط الشرعية للعمل والعمال في النظام الاقتصادي الإسلامي

لقد حث الله على العمل ، ورفع منزلته وثوابه إلى درجة العبادة والفريضة ، كما اهتم الإسلام بحقوق العامل وحوافزه وتنمية دوافع وبواعث التزامه بالقيم والأخلاق كما استنبط الفقهاء الضوابط الشرعية للتعامل مع العامل لكي ينتج ويبدع ويبتكر . ويختص هذا البحث بتناول عنصر العمل والعمال في النظام الاقتصادي الإسلامي مع التركيز على مفهوم العمل وضوابطه الشرعية وواجبات ومسئوليات العامل وأسس حساب الأجور ، وذلك في ضوء أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

مفهوم العمل في الاقتصاد الإسلامي:

      من التكاليف التي فرضها الله على الإنسان عاملاً كان أو صاحب عمل (مستثمراً) ، خفيراً أو وزيراً هي العمل لعمارة الأرض وعبادة الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى:             ) هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (  (هود: 61)، ويقول الله تبارك وتعالى أيضاً : ) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (  (الملك: 15)  ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب الحلال فريضة بعد الفرائض" (رواه الطبراني عن ابن عباس)، ويقول كذلك : "اليد العليا خير من اليد السفلى" (رواه البخاري).

       ولقد رفع الله درجة العمل إلى مرتبة العبادة وقرنه بالإيمان في كثير من الآيات قال الله تبارك وتعالى:} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً{ (الكهف: 110)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأن يأخذ أحدكم حبله ، ثم يأت الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجه ، خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو منعوه " (رواه البخاري عن الزبير بن العوام) ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب العبد المحترف" (رواه البيهقي والطبراني) ، وعن الحض على العمل يقول صلى الله عليه وسلم : " ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من  عمل يده ، وإن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده " ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يحب الفارغ الصحيح لا في عمل الدنيا والآخرة ".(رواه أبو داوود )

      ولقد وضع الفقهاء شرطين ليتحول أى عمل إلى عبادة ، أولهما: أن يكون العمل صالحاً يوافق شرع الله عز وجل، وثانيهما: أن يكون العمل خالصاً لوجه الله ، فلا يقبل إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان، وأن القيم الإيمانية هى من أهم محركات العمل الصالح والخالص، ويمكن تلخيص هذين الشرطين في الأمانة والكفاءة.

      والعمل في الإسلام قيمة ، فاليد العليا خير من اليد السفلى ، واليد التي تعطى خير من اليد التي تأخذ، والعمل في الإسلام واجب حيوي وليس للتفاخر والتكبر والجاه والمظهرية فهو أساس الكسب والرزق الطيب لإعمار الأرض.

      وعندما يفقه ويقتنع ويؤمن كل من العامل وصاحب العمل  بأن العمل في الإسلام تكليف رباني وعبادة شرعية، وضرورة حيوية، وشرف وقيمة وعزة وجهاد في سبيل الله يكون ذلك حافزاً لهما على العمل الصادق الخالص والنافع للنفس وللوطن وللأمة الإسلامية وبذلك تكون العلاقة بينهما طيبة مباركة تحقق المصالح للعامل ولصاحب المنشأة ولمن تقدم لهم الخدمات وكذلك للمجتمع ، وهذا هو أساس التنمية الاقتصادية الفعالة في الإسلام .  

حقوق العمال في الاقتصاد الإسلامي:

      حتى ينطلق العامل بإيمانه وخلقه للعمل لا بد وأن توفر له المنشآت مقومات العمل وتضمن له حقوقه... ولقد تضمنت الشريعة الإسلامية الضوابط التى تحدد حقوق العامل ، وهى كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:

أولاً: أن تساعد المنشأة العامل فى وضعه فى مكان العمل المناسب حسب امكانياته وقدراته وطاقته ولا تكلفه مالا يطيق، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير الكسب كسب يد العمل إذا نصح " (رواه أحمد) ، ويقول صلى الله عليه وسلم كذلك : " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

ثانياً: أن يكون أجر العامل فى ظل الظروف العادية فى ضوء ما يقدمه من جهد، فلا كسب بلا جهد، ولا جهد بلا كسب، ولا يجب أن يكون العامل عالة يكسب ولا يعمل، كما لا يجب أن تبخس المنشأة أجر العامل الصادق القوى الكفء حقه، فهذا يسبب الفساد، ودليل ذلك قول الله  سبحانه وتعالى: }وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا المِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين َ{ [هود:85] وقوله تبارك وتعالى: } فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ َ{ [الطلاق:6] .

ثالثاً: التعجيل فى إعطاء أجر العامل حتى يستطيع أن يشترى حاجاته المعيشية، لأن التأخير فى إعطاء الأجر للعامل يثبط الهمم ويقلل من الدوافع والحوافز على العمل ومن الوصايا العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " أعطوا الأجير قبل أن يجف عرقه " (رواه ابن ماجه والترمذي).

رابعاً: كفالة حق العامل فى الحرية فى إبداء رأيه والمشاركة فى اتخاذ القرارات التي تعينه في عمله، وهذا حق من حقوقه المعنوية التى كفلها له الإسلام في اتخاذ القرار ، وهى الشورى فى الإسلام، والشورى ضد التسلط والكبرياء والقمع والتجاهل، كما أن الشورى أساس الرأى الرشيد ، يقول الله عز وجل :} وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{ [ الشورى: 38]، إن كفالة الحقوق المعنوية للعامل يحفزه ويدفعه إلى الإبداع والإبتكار ، ويكون راضياً على عمله ويكون عنده ولاء وانتماء إلى المنشأة التي يعمل فيها .

خامساً: أن تكفل المنشأة للعامل حق الكفاية عند العجز أو البطالة وفى ظل الأزمات وفقاً لنظم التأمينات والمعاشات ونظم التكافل الاجتماعية، ولقد وضع الإسلام نظاماً فريداً لم تتوصل إليه حتى الآن النظم العالمية المعاصرة، هو نظام التكافل الاجتماعي حيث يضمن لكل إنسان حق الحياة الكريمة، ويقوم هذا النظام على: الزكاة  والصدقات والوقف الخيرى والعارية...

سادساً: أن تكفل المنشأة للعامل الرعاية الإنسانية والاجتماعية والصحية ، وكذلك تجنب مخاطر العمل ، وهذه من الأمور الداخلة في نطاق النظم والقوانين لكل دولة وتتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية ، ولقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال : " من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً ، أو ليست له زوجة فليتزوج ، أو ليس له خادم فليتخذ خادماً ، أوليست له دابة فليتخذ دابة ، ومن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غلول " (رواه أبو داوود عن المستورد بن شداد)

      هذه أهم حقوق العامل في الإسلام وعلى المنشأة أن توفرها له ويتضامن معها المجتمع المسلم فى إطار التعاون على البر والتقوى، وفى مقابل ذلك يجب أن يؤدى العامل ما عليه من تكاليف ومسئوليات لصاحب العمل على النحو الذي سوف نبينه في البنود التالية.  

واجبات العمال فى الاقتصاد الإسلامي:

      لا حق بدون واجب، ولا كسب بلا جهد ، فالإسلام يربط بين الحقوق والواجبات وبين المكاسب والتضحيات ، كما أن الإسلام لم يدلل العامل، ويتركه يمسك المصحف والمسبحة ويقبع في المسجد ولا ينتج.. بل أمره بالانطلاق والسعي والضرب في الأرض ودليل ذلك قول الله عز وجل: } هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{ (الملك:15). ويقول الله عز وجل في سورة المزمل وهو بصدد التيسير في قراءة القرآن في الصلاة....} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { (المزمل: 20)، كما يأمر الله الناس أن ينتشروا في الأرض بعد الصلاة ، فيقول الحكيم العليم: }فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ (الجمعة: 10).

      ولقد تناول فقهاء وعلماء المسلمين الضوابط الشرعية لمسئوليات العامل وواجباته فى المنشأة التى يعمل فيها حتى يكون عاملاً منتجاً مخلصاً مساهماً فى تعمير الوطن وليس عالة على الناس والوطن، منها ما يلى:

أولاً: يجب تحلي العامل بالقيم الإيمانية، ومنها الإيمان بأن العمل عبادة وطاعة لله عز وجل وأن الله عز وجل سوف يحاسبه يوم القيامة عن عمله ، قال الله تبارك وتعالى:} وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ { (التوبة: 105).

ثانياً:  التزام العامل بالأخلاق الفاضلة ومنها : الأمانة والصدق والإخلاص والإتقان والإبداع والابتكار والوفاء ، ولقد أشار القرآن إلى ذلك على لسان ابنة سيدنا  شعيب عليه السلام عندما زكت سيدنا موسى عليه السلام للعمل عند أبيها : }قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ{ (القصص: 26) وفى سورة يوسف يوضح لنا القرآن خصال من يتولى الولاية على أمور الناس يقول الله على لسان سيدنا يوسف:}  وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ{ (يوسف: 55).

ثالثاً:  إتقان العمل وإحسان أدائه حسب الجوانب الفنية له ، وعندما زكى سيدنا يوسف عليه السلام نفسه ليكون مسئولاً على الخزائن قال:} إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ { (يوسف: 55)، والله تبارك وتعالى يأمرنا جميعاً بأن نحسن العمل، فقال:} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً{ (الكهف:30)، وهذا الإتقان من الواجبات الدينية وهو عبادة ، وفي هذا المقام يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شئ ، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة .... الحديث" (رواه الترمذي).

رابعاً:  أن يعرف العامل حدود عمله وكيف يؤديه ، وأن يختار العمل المناسب وفقاً لقدراته وإمكانياته الفنية وغيرها، ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تكليف العامل بعمل ليس من اختصاصه، وبين أن لا يكون اختيار العامل للعمل على أساس المجاملة والقرابة، ولكن على أساس الخبرة والكفاءة، واعتبار عدم الالتزام بذلك خيانة ، فيقول عليه الصلاة والسلام " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" (متفق عليه)   .

خامساً:  أن يكون العامل قَيِّماً على ذاته متابعاً لعمله، محاسباً ومعاتباً وزاجراً لنفسه عند التقصير والإهمال... وعندما يصل العامل إلى درجة أن يستشعر مراقبة الله له، سيكون حينئذ أشد مراقبة ومحاسبة لنفسه، وهذا بدوره يجعله يطور ويحسن من الأداء ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ) بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ( (القيامة :14).

سادساً: أن يكون العامل منضبطاً ملتزماً يسمع ويطيع، ويحترم النظم واللوائح التي يضعها صاحب المنشأة ما دامت لا تتعارض مع شرع الله عز وجل ، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلاّ أن يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " (رواه البخاري) ، ولا يجب أن يكون كذاباً ، أو منافقاً أو جشعاً أو خائناً للأمانة أو متواطئاً على الشر أو آكلا لأموال الناس بالباطل أو مضلاً أو مرتشياً... أو غير ذلك من الصفات التي لا يجب أن تكون في العامل المسلم الورع الصالح التقى وتعطى فرصة لصاحب العمل أن يعاقبه سواء بالخصم أو الفصل.

سابعا:  أن يكون العامل متعاوناً مع فريق العمل الذي يعمل معه حتى ينساب العمل بسهولة ويسر بدون معوقات ، وهذا يدخل في نطاق التعاون على البر والتقوى وكذلك في نطاق الأخوة في الله، يقول الله تبارك وتعالى: } وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { (المائدة: 1)، وفي هذا المقام يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات)، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" رواه أبو داود عن أبي هريرة)

ثامناً: أن يكون العامل نافعاً لمجتمعه ووطنه ، ولا يكون عالة ، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "على كل مسلم صدقة قيل: أرأيت إن لم يجد ؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال قيل: أرأيت إن لم يستطع ؟، قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال قيل : أرأيت إن لم يستطع ؟، قال: يأمر بالمعروف أو الخير"، قال: أرأيت إن لم يفعل ؟، قال: "يمسك عن الشر. فإنها صدقة" ( رواه البخاري ومسلم) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر" (رواه أحمد) ، يفهم من هذا الحديث أن يظل العامل يعمل ما دام قادراً على العمل حتى يدخل القبر.

الضوابط الشرعية للعمل والعمال في الاقتصاد الإسلامي:

    لقد تضمنت الشريعة الإسلامية مجموعة من الضوابط الشرعية للعمل والعمال ، من أهمها ما يلي :-

أولاً: الإيمان بأن العمل الصالح ضرورة شرعية وحاجة حياتية ، وتكليف من الله عز وجل ، وهو شرط من شروط الإيمان وليست عملية اختيارية أو من المندوبات ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى :} وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ { (التوبة: 105) ، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "طلب الحلال فريضة بعد الفرائض" (رواه الطبراني عن ابن عباس).

ثانياً: من مسئولية ولي الأمر أن يُوجِد فرصة عمل لكل قادر على العمل ، لأن طاقات العمل ثروة بشرية لا يجوز تعطيلها أو إهدارها ، فهذه الثروة لا تقل أهمية عن أهمية الموارد الطبيعية والمال ، ولقد حث الله على الهجرة من مكان لآخر ابتغاء طلب الرزق ، فقال عز وجل : )وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً( (النساء: 100) ، ولقد كان سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العاطل الذي جاء يطلب الصدقة ، فباع ما عنده ، واشترى له وسيلة العمل المنتج فقد ورد عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي r فسأله فقال : أما في بيتك شيء قال : بلى حِلْسٌ نلبس بعضه وبنسط بعضه ، وقُعْبٌ نشرب فيه من الماء ، قال ائتني بهما فأتاه بهما ، فأخذهما رسول الله r  بيده وقال من يشتري هذين ، قال رجل أنا آخذهما بدرهم، وقال رسول الله r من يزيد على درهم مرتين أو ثلاث ، قال رجل أنا أخذهما بدرهمين فأعطاهما إيّاه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشتري بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتري بالآخر قدوماً فائتني به فأتاه به ، فشد فيه رسول الله r عوداً بيده ، ثم قال اذهب فاحتطب وبع ولا أرينّك خمسة عشر يوماً ، ففعل الأنصاري ، فجاء وقد أصاب عشر دراهم فاشترى ببعضها ثوباً ، وببعضها طعاماً ، فقال رسول الله r : هذا خير من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث لذي فقر، مدقع أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع" (رواه البخاري).

ثالثاً: حرمة من قعد عن العمل وهو قادر عليه ، فلا جزاء لقاعد عن العمل ، ولا كسب بلا جهد ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: )وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى( (النجم :39) ، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسول وسؤال الناس فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث:"لأن يحتطب أحدكم على ظهره خيرُ له من أن يسأل أحد فيعطيه أو يمنعه" (رواه البخاري) ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني ، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ".

رابعاً: يعتبر حرمان العامل من أجره أو بخسه ظلماً وفساداً في الأرض ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : ) وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ( (هود :85) ، ويحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من عدم إعطاء العامل أجره، فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته ، رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره " (رواه مسلم وأحمد).

خامساً: وجوب تفاعل وتعاون المال والعمل لإنتاج الطيبات ، فلا يجب اكتناز المال ، كما لا يجب تعطيل العمال عن العمل لأن ذلك يعوق النشاط ويؤدي إلى الكساد ، كما يجب العدل في توزيع عوائد العملية الإنتاجية فلا يطغى عائد المالك وهو الربح على عائد العامل وهو الأجر .

سادساً: يجب أن يكون مجال العمل حلالاً طيباً ، حتى يكون الكسب الناتج منه كذلك حلالاً حتى يثاب العامل على كسبه وإنفاقه ، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( (البقرة :267) ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "طلب الحلال فريضة بعد الفرائض" (رواه الطبراني عن ابن عباس).

سابعاً: لا يجب أن يعطل العمل عن أداء الفرائض والواجبات ، يقول الله تبارك وتعالى: }فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ (الجمعة: 10).

ثامناً: حرمة إعطاء الزكاة لأي عامل عاطل قادر على العمل ، ويتكاسل ، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تحل الزكاة لغني ، ولا قادر على الاكتساب" (متفق عليه) ، أما إذا كان الأجر الذي يحصل عليه دون حد الكفاية ، فيعطى له من بيت المال حتى تمام كفايته ، أما إذا لم يجد أداة الحرفة أو العمل لفقره فيمكن أن يأخذ من الزكاة ما يوفر له متطلبات ووسائل العمل إذا كان فقيراً، ولقد وضع الفقهاء مجموعة من الضوابط الشرعية لتوظيف أموال الزكاة في مشروعات إنتاجية لتشغيل العاطلين من العمال منها : المشروعية وأن تكون في مجال الضروريات والحاجيات وتوافر الكفاءة الفنية ، وأن تكون قليلة المخاطر ، وأن تكون في إطار احتياجات المجتمع.

مفهوم الأجر وضوابطه الشرعية في الاقتصاد الإسلامي :

       يحكم علاقة العامل بصاحب العمل في الفقه الإسلامي عقد العمل ، والتكييف الفقهي له: " عقد بيع منفعة ، " مثل عقد الإجارة الذي أجازه الفقهاء، وهذا العقد يقوم على الأركان الأساسية الآتية :-

  • الإيجاب والقبول : من كل من العامل وصاحب العمل .
  • موضوع العقد   : بيع منفعة : جهد عضلي أو ذهني أو هما معاً .
  • صيغة العقد    : يقول صاحب العمل للعامل أريد أن أستأجرك ، وتوضع الشروط التي يتفقان عليها في إطار أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

      ولقد ورد نموذج عقد العمل في القرآن الكريم في قصة سيدنا موسى وسيدنا شعيب عليهما السلام :) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَانَقُولُ وَكِيلٌ (28)  فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بَأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّـكُمْ تَصْطَلُونَ (29)( (سورة القصص).

      من هذا النموذج نستنبط أساسيات عقد العمل في الإسلام، وهي على النحو التالي:-

  • تزكية بنت سيدنا شعيب لسيدنا موسى للعمل على أساس الأمانة والكفاءة.
  • الإيجاب من سيدنا شعيب عليه السلام لاستئجار سيدنا موسى عليه السلام.
  • القبول من سيدنا موسى عليه السلام للعمل .
  • نطاق العمل : رعي ورعاية الأغنام .
  • مقابل العمل : قيمة الصداق ما يعادل العمل ثمان سنوات وزيادتها إلى عشر يكون فضل من سيدنا موسى ، بالإضافة إلى المسكن والطعام والملبس وغير ذلك من الحاجات الأصلية للحياة الكريمة لسيدنا موسى عليه السلام.
  • الوفاء بالعقد : وهذا مستنبط من الآية الكريمة )فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بَأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّـكُمْ تَصْطَلُونَ(  (سورة القصص :29).

     ولقد وضح الفقهاء بعض الضوابط التي تحكم الأجر من أهمها :-

      1. – أن يعرف العامل أجره ويدون ويوثق ذلك بأي أسلوب أو وسيلة تجنباً للغرر والجهالة ، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره.
      2. – أن يكون تحديد الأجر بالتراضي التام بين العامل وصاحب العمل ، لا إذعان فيه ولا استغلال ، فهو عقد بيع منفعة، يطبق عليه قول الله تبارك وتعالى : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( (المائدة :1) .
      3. – أن يكون الأدنى للأجر متناسب مع تكلفة الكفاية ، أي يكفي العامل وأسرته تكاليف الحاجات الأصلية للمعيشة : من طعام وشراب وملبس ومأوى وعلاج وتعليم ، وهذه من مسئولية الدولة بالتعاون مع أصحاب الأعمال في إطار القاعدة الفقهية " لا ضرر ولا ضرار" ، ودليل ذلك هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً أو ليست له زوجة فليتزوج ، أو ليس له خادم فليتخذ خادماً ، أوليست له دابة فليتخذ دابة ، ومن أصاب شيئاً سوى ذلك فهو غلول " (رواه أبو داوود عن المستورد بن شداد) ، وكان في صدر الدولة الإسلامية تحدد أجور الجند (على سبيل المثال ) على أساس الكفاية للجندي ولأسرته ولمن يعولهم ، وهذا ينطبق على سائر الأنشطة والقطاع الخاص بالتعاون مع الدولة ، فإذا كان الأجر الفعلي دون الكفاية يأخذ تمام الأجر من بيت مال المسلمين.
      4. – مع الأخذ في الاعتبار معيار الكفاية ، والذي يمثل الحد الأدنى للأجر ، يجب أن يتأثر الأجر بالجهد المبذول ، وكذلك بالخبرات والقدرات والطاقات ، وطبيعة العمل ومخاطره ، وكذلك بالوقت المبذول ، (( فلا جهد بلا كسب)) ، والغاية من ذلك تحفيز العامل على العمل والإبداع والابتكار ، يقول الله تبارك وتعالى :             ) فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ (8)(  (سورة الزلزلة).
      5. – حرمة أن يأخذ العامل شيئاً غير المتفق عليه مع صاحب العمل بدون طيب نفس منه وإلاّ يعتبر غلولاً (حراماً)، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ".... ومن استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول(سحت)" (أبو داوود)، وفي رواية أخرى يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من استعلمناه منكم على عمل فكتمنا خيطاً فما فوقه كان غلولاً يأتي به يوم القيامة " ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما" (رواه أحمد ) ، ويجمع الفقهاء أن هدايا العمال غلول . 
      6. – حرمة أكل أجر العامل ظلماً ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : } وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين َ{ [هود:85] ، ولقد ورد في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه أنه قال : " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته ، رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره " (رواه مسلم وأحمد) ، ولقد حرم الإسلام الاعتداء على أموال الغير ، ويدخل فيهم العمال ، فيقول صلى الله عليه وسلم : "كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه " (رواه البخاري ومسلم) .
      7. – تأمين العامل في حالات العجز أو الشيخوخة أو الأزمات أو الكوارث أو المحن ، وهذا كله يدخل في نطاق التكافل الاجتماعي والتعاون مسئولية ولي الأمر ، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع  وكلكم مسئول عن رعيته " (رواه البخاري ومسلم) ، ويكون ذلك من بيت مال المسلمين أو من صناديق التأمينات العامة أو الخاصة.              

سلوكيات العامل وصاحب العمل في الاقتصاد الإسلامي:

    تقوم العلاقة بين طرفي العملية الإنتاجية (العامل وصاحب العمل) على أسس وضوابط إسلامية، وعلى العامل واجبات وله حقوق ومن واجباته العمل بإخلاص لتحقيق أهداف المنشأة التي يعمل فيها.  ويرتبط العامل بصاحب العمل عن طريق عقد. ويجب على صاحب العمل تحقيق الكفاية للعاملين من خلال الأجور المناسبة، ومن صور ذلك: الأجور العادلة التي تحقق مستوى معيشي كريم، والمكافآت التشجيعية، والعلاوات المحفزة، والمكافآت الاجتماعية.

    ومن أهم أسس العلاقة الطيبة التي تحكم سلوكيات كل من العمال وأصحاب الأعمال في المنهج الإسلامي ما يلي :-

    • أساس الإنسانية : بأن كل من العامل وصاحب العمل من خلق الله الذي كرمهم.
    • أساس الأخوة في الله : فالعامل أخو صاحب العمل.
    • أساس التعاون : فلا عمل ناجح بدون تعاون خالص بين العامل وصاحب العمل.
    • أساس الحب والولاء والانتماء: وهذا يعتبر الحافز والدافع على الإبداع والابتكار.
    • أساس العدل في توزيع عوائد الإنتاج : في إطار القاعدة الشرعية لا ضرر ولا ضرار.
    • أساس احترام النظم واللوائح: التي تحقق البيئة المناسبة للعمل.
    • أساس الشورى : في اتخاذ القرارات ذات العلاقة بالعمل.
فإذا تحققت هذه الأسس قويت العلاقة الطيبة بين العامل وصاحب العمل .

المصدر: موقع دار المشورة

تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة