صناعة النحاس في لبنان.. هل تصمد أمام هجمات عصر «الستانلس»؟
كما ابتدعوا أروع الوسائل والمهارة اليدوية في هذه الصناعة، من حيث استخدام الطرق والحرق والنقش، مما عكس المهارة والابداع للحرف العربية، وتحديداً اللبنانية. وتعمل مشروعات الأسر المنتجة على الحفاظ على هذه الصناعة، وتوفير فرص عمل وتوفير منتجات تحمل الأصالة، وتجد رواجاً في الاسواق السياحية. النحاس هو معدن ذو لون خاص به، بين الاحمر والبني، وهو من الفلزات وقابل للطرق والسحب والتوصيل للكهرباء، والنحاس معدن عرف منذ القدم، لذلك فانه يجب ان نتعرف على تاريخ هذا المعدن وخصائصه، لاسيما انه يتميز عن الذهب والفضة، وايضاً لانه اصبح اكثر العناصر شيوعاً في العالم، عبر استخدام الآلات والمعدات، وذلك نظراً لاعتدال ثمنه وكذلك جودته وتعدد غاياته.
خصائص وتاريخ
عرف الانسان معدن النحاس الفطري، الذي كان يوجد في الطبيعة على هيئة قطع حمراء نقية مخلوطة بالصخور، وذلك منذ اكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وهذا المعدن به فقاعات هوائية كثيرة، لذلك لا يصلح لصنع أدوات منه. وقد حلّت هذه المشكلة بعدما زاد حرفيو المهنة من صلابة النحاس الفطري بالطرق عليه. وبدأ استخدام النحاس في الأغراض المعيشية منذ حوالي ستة آلاف عام قبل الميلاد، وتم اعتبار هذا التاريخ بداية لعصر حضاري جديد في تاريخ البشرية. تعلم الانسان الحرفي في صيدا وطرابلس صهر الخامات، وشكلت الادوات المعدنية من النحاس، في صنع انابيب لتوصيل مياه الشرب، واخرى من اجل البنى التحتية. واذا كانت هذه الصناعة وجدت قبلاً في مصر وسوريا، وتحديداً في بعض المتاحف العالمية الكبرى، الاّ ان الانسان اللبناني زاد عليها قطعاً فاخرة مثل: الصواني والصحون العادية والمطعمة، والثريات والمصابيح، والكؤوس والمباخر والأباريق. ونتج عن هذه المنافسة ان صناعها ما زالوا يتبارون في فن الحفر والتنزيل، لانتاج القطع الفنية الفخمة التي تحمل صوراً وكلمات، ترمز الى مواضيع مستقاة من الكتب الدينية، او الكتب التاريخية والأساطير.
أزمة
وطبعاً حالياً مثل غيرها من الحرف والمهن، تعاني هذه الصناعة وخاصة الفنية منها في الوقت الحاضر، أزمة بسبب انصراف المواطنين على استعمال منتجاتها للاغراض المنزلية او التزيينية. ويقول المستشار انطوان زخيا حول هيكلية حماية الحرف والمهن اللبنانية، لا سيما بعد تأسيس «بيت المحترف اللبناني» بمرسوم جمهوري في العام 1968، والذي كان ينتظر ان يكون، عوناً للحرفيين ومسوقاً لمنتجاتهم ومقصداً لشكواهم: اذا كانت بعض الصناعات قد تلاشت تماماً، بفعل ما تعرضت له المناطق اللبنانية من اعتداءات اسرائيلية على مدى خمسة وعشرين عاماً متواصلة، فإن الأسواق الرئيسية للمنتجات الحرفية هي الأسواق العربية، ومن ثم الأميركيتين وأوروبا وأستراليا، حيث تتركز غالبية المغتربين اللبنانيين. ويضيف أن مصادر المضاربة على المنتجات الحرفية اللبنانية تكمن في المنتجات شبه الحرفية التي يجري تقليدها من داخل القطاع في لبنان ومن خارجه وكذلك من المنتجات الصناعية المشابهة أو المتقاربة ولاسيما لجهة الاستعمال والاستهلاك. وأهم اسباب عدم التصريف يكمن في ارتفاع كلفة المواد الأولية بنسبة تتعدى الـ 10 بالمئة، وارتفاع كلفة اليد العاملة الحرفية، باعتبار الحرفة من الكماليات، إضافة الى توفر انتاج حرفي مشابه بأسعار أرخص بنسبة الـ 50 بالمئة، عدا عدم وجود اسواق كافية لبيع النتاج الحرفي وهذا بنسبته 58 بالمئة!!.
لمسات جمالية
صيدا، طرابلس وبعض القرى والأرياف، يقوم الحرفيون بتصنيع مستلزمات المطبخ العربي، من صوان وصحون وكؤوس وأطباق غسيل.. وهذه الأدوات كلها مصنوعة من النحاس، التي يتفنن فيها اصحاب هذه المهنة في طريقة صناعتها، ولا يزال عدد غير قليل من ابناء هذه المدن يمارس هذه الحرفة حتى اليوم، نظراً لإقبال السياح على شراء نماذج متعددة من منتجاتهم النحاسية الفاخرة التي نقشت عليها اجمل الرسوم، بواسطة ازميل صغير، حيث يقوم هؤلاء بالتفنن في صناعتهم، وابتكار لمسات جمالية تضفي عليها بريقاً خاصاً يسحر الألباب، ويغري المتفرج بالشراء. ومن الأساليب التي يعتمدها صناع النحاسيات تطعيم الأواني بالذهب او الفضة او طلائها بمادة لامعة اسمها المينا، لتدوم تحفة جميلة مهما أكل عليها الدهر وشرب. فهل تدوم هذه الحرفة في ظل ما نشهده اليوم، من نتاجات آلية، تعتبر من الكماليات وليس الضرورات، وهل تصمد هذه الصناعة أمام «هجمات» عصر «الستانلس»؟!!.
منقول من "الإتحاد"
تفاعل مع الصفحة