النحاس اليمني·· حضارة تتلألأ تحت سقف متحف اللوفر

اليمن - صناعة النحاس المزخرف من الصناعات العريقة التي تتميز بها اليمن منذ القدم، وقد أبدع الفنان اليمني في هذه الصناعة وقدم أروع الأواني والأباريق والفازات والأطباق والمعلقات، وقام بدق ورسم الرسوم الهندسية الإسلامية الرائعة على هذه الأواني، واستخدم مهارته في تطعيم النحاس بالفضة والذهب. كما ابتدع أروع الوسائل والمهارة اليدوية في استخدام الطرق والحرق والنقش، مما عكس المهارة والإبداع للحرف اليمنية.

ويشير الباحث إبراهيم بن ناصر بن إبراهيم في كتابه ''الحرف والصناعات في ضوء نقوش المسند الجنوبي'' الذي تتبع فيه أهم ما ورد عن الحرف اليمنية في المصادر اليمنية القديمة وأبرز ما تم العثور عليه من قطع كتلك المصابيح البرونزية والنحاسية التي عثرت عليها البعثة النمساوية، إضافة إلى تلك المتواجدة في المتاحف اليمنية والعالمية، حيث ذكر عالم الآثار جورمان أدولف أن متحف اللوفر بباريس يحتفظ بمسرجة يمنية صُنعت من النحاس على شكل ماعز يقفز، كما أنه عثر على مسرجة من النحاس كمثرية الشكل لها فتحة نصف دائرية وقاعدتها مصنوعة من البرونز.

ويعود اهتمام الحرفي اليمني باستخدام مادة النحاس في العديد من الصناعات اليدوية التقليدية منذ القدم لانتشار خام النحاس بكثرة في البيئة اليمنية، وقد ورد ذكرها في كتاب ''الجوهرتين العتيقتين'' لأبي الحسن الهمذاني، والذي ذكر كثرة استخدام النحاس في صناعة الأدوات الحربية لدى اليمنيين القدماء.

ويقول التجار العاملون في مجال تسويق صناعة الأدوات النحاسية، إن هذه الصناعة تكاد تكون شبه نادرة في ظل غزو التحف النحاسية المستوردة من الخارج وارتفاع تكاليف إنتاج الصناعات الحرفية محلياً، حيث أشار تقرير صادر عن لجنة مسح الحرف القديمة في صنعاء القديمة التابعة للهيئة العامة للآثار في اليمن إلى حقيقة مفزعة تتحدث عن عدم العثور على أي شواهد تدل على استمرار هذه الحرفة، مع وجود بعض الأسر التي كانت حتى وقت قريب تمارس هذه الحرفة.

وورد ذكرها في كتاب ''نور المعارف في نظم قوانين وأعراف اليمن في العهد المظفري الوارف'' مقتصراً على أشغال الجلي والتبييض للنحاس، ويأتي الحديث عن قصة الاختفاء المفاجئ لهذه الحرفة الهامة على الرغم من وجود سوق مخصص للنحاس ضمن أسواق صنعاء القديمة، ووجود قانون قديم كان ينظم هذه السوق ومنها سوق النحاس، حيث ذكر ذلك القانون حتى الصفات الأخلاقية التي يجب توافرها في حرفي النحاس حيث يقول القانون:'' ويشترط في النَّحَاس الأمانة، كما ينبغي الانتباه في الجِلا ومعرفة ما يستحقه النُحاس للشخص النَحَّاس على الشخص المُتَعَهِد''.

وتم إحصاء الكثير من الأواني النحاسية التي لازالت باقية حتى اليوم مثل مرشات العطور التي يتم عمل أقماع من الفضة تركب على أعناقها، وتركب لها أيضاً قواعد من الفضة وكؤوس الشرب التي كانت تصنع من النحاس الجيد المزخرف والمنقوش و''الطاسات المكتبة''

ويتم عرض هذه المنتجات النحاسية في العديد من المواقع في صنعاء القديمة كما هو الحال في ''سمسرة النحاس''، حيث مازال الحرفي اليمني يبتكر الكثير من التحف النحاسية التي تخطف الإبصار لجمالها ولدقتها المتناهية في صناعتها، كما هو الحال مثلاً في الأباريق النحاسية المزينة بالكتابات المنحوتة من الشعر العربي، والحِكَمْ والأمثال المأخوذة في الغالب من ديوان ''الإمام الشافعي''.

والمعروف أن النحاس هو معدن قابل للطرق، والسحب، ويفوق ما تبقى من الفلزات في هذه الميزة ويختلف في هذه الصفة عن الذهب والفضة.. ولقد أصبح النحاس أكثر العناصر شيوعاً في العالم في استخدامات الآلات والمعدات، وذلك نظراً لاعتدال ثمنه، وجودته، وتعدد غاياته.

وعرف الإنسان اليمني معدن النحاس الفطري الذي كان يوجد في الطبيعة على هيئة قطع حمراء نقية مخلوطة بالصخور، وذلك منذ أكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وهذا المعدن به فقاعات هوائية كثيرة لذلك لا يصلح لصنع أدوات منه إلا أن سكان حوض الرافدين ''دجلة والفرات ورافدهما'' تغلبوا على هذه المشكلة وزادوا من صلابة النحاس الفطري بالطرق عليه، وكان ذلك في الألف السابع قبل الميلاد، وبدأ استخدام النحاس في الأغراض المعيشية منذ حوالي ستة آلاف عام قبل الميلاد، وتم اعتبار هذا التاريخ بداية لعصر حضاري جديد في تاريخ البشرية.

غير أن صناعة النحاس اليوم في اليمن تدهورت وحلت مكانها القطع المستوردة من الخارج.. ولأن النحاس معدن عرف منذ القدم لذلك فإنه يجب أن نتعرف على تاريخ هذا المعدن العريق، ولكن قبل أن نتعرف على تاريخ هذا المعدن يجب أن نسعى لاستعادة مكانته التاريخية.

منقول من "الإتحاد"


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة