الخوارزميات المظلومة !!

ابتدع علم الجبر وأسسه العالم الكبير الخوارزمى (ت 232 هـ/ 846 م), وقد ابتكره ليحل بعض المسائل الصعبة فى قضايا الميراث, ووضع له من الأصول والقواعد ما جعله علما مستقلا عن الهندسة وبقية أنواع الرياضيات.

فالخوازمى أول من استعمل كلمة (جبر) للعلم المعروف الأن بهذا الإسم, وقد أخذه الأوروبيون عنه, فحتى الأن ما زال الجبر يعرف باسمه العربى فى جميع اللغات الأوروبية, فهو فى الإنجليزية  (algebra)وفى الفرنسية (algèbre) وهكذا.  وترجع كل الكلمات التى تنتهى فى اللغات الأوروبية ب (algorithme/algorism) إلى اسم الخوارزمى, كما يرجع إليه الفضل فى تعريف الناس بالأرقام العربية, ولهذا كان الخوارزمى أهلا لتسميته بأبى الجبر.

ويعد كتاب الخوارزمى (الجبر والمقابلة) الكتاب الرئيسى ذا الأثر الحاسم الذى درس فيه تحويل المعادلات وحلها, وفى مقدمته بين كيف أن الخليفة المأمون هو الذى طلب منه تأليفه, وقد ترجمه إلى اللاتينية (جيرردو دى كريمونا), ونشر النص العربى مع ترجمع إنجليزية فى لندن سنة 1851 م.

وبفضل الترجمة الكثيرة انتقل الحساب الهندى والنظام العشرى فى الحساب إلى أوروبا, حتى عرفت العمليات الحسابية باسم (Algurismo), والغريب أنها ترجمت إلى العربية باسم (اللوغاريتمات), وهى فى الأصل منسوبة إلى الخوارزمى! والصحيح أن تترجم (الخوارزميات) أو (الجداول الخوارزمية).

وقد أصبح الكتاب مصدرا أساسيا فى الرياضيات فى الجامعات الأوروبية حتى القرن السادس عشر, وكان معظم ما ألفه من خلفه فى علم الجبر مستندا إلى اللاتينية روبرت أوف شستر (Robert of chester), فاستنارت به أوروبا, وحديثا حقق الدكتوران على مصطفى مشرفه ومحمد مرسى هذا الكتاب, وذلك فى سنة 1968 م.

وقد أكمل المسيرة بعد الخوارزمى أبو كامل شجاع المصرى, وأبو بكر الكرخى, وعمر الخيام, وغيرهم من علماء المسلمين الذين نبغوا فى هذا المجال.

ويعد إدخال الصفر فى الترقيم من أهم مآثر واكتشافات المسلمين فى الجبر, ولا ريب إن ذلك أدى إلى تسهيل العمليات الحسابية وتقدم العلوم الرياضية, إذ لولا الصفر لما استطاع العلماء حل كثير من المعادلات الرياضية فى مختلف الدرجات بالسهولة التى تحل بها الأن, ولما تقدمت فروع الرياضيات تقدمها المشهود, وبالتالى لما تقدمت المدنية هذا التقدم العجيب.

ومن أهم مآثر المسلمين كذلك فى الجبر أنهم عرفوا أنهم عرفوا حل المعادلات من الدرجة الثانية, وهى نفس الطريقة المستعملة الآن فى كتب الجبر الحديثة, ولم يجهلوا أن لهذه المعادلات جذرين, واستخرجوهما إذا كانا موجبين, وهذا من أهم الأعمال التى تفوق فيها المسلمون, وفاقوا بها غيرهم من الأمم التى سبقتهم, كما ابتكروا طرقا هندسية لحل بعض هذه المعادلات, وفى باب المساحة فى كتاب (الجبر والمقابلة) للخوارزمى توجد عمليات هندسية حلها بطريقة جبرية, مما يدل على أن المسلمين –كذلك- هم أول من استعان بالجبر فى المسائل الهندسية.

وإذا كان ينسب إلى العالم الرياضى ستيفن استعمال الكسر العشرى, فإن العالم الرياضى المسلم غياث الدين جمشد الكاشى كان أول من وضع علامة الكسر العشرى واستعملها قبل ستيفن بأكثر من 175 سنة. وبين فوائد استعمالها وطريقة الحساب بها, وفى ذلك فإنه يذكر فى مقدمة كتاب (مفتاح الحساب) فى الصفحة الخامسة منه أنه اخترع الكسور العشرية, ليسهل الحساب للأشخاص الذين يجهلون الطريقة الستينية, وإذن فهو يعلم أنه اخترع شيئا جديدا.

وكذلك فإن علماء المسلمين بعد الخوارزمى قد استعملوا الرموز (+,-,×,÷) فى الأعمال الرياضية, ومن مؤلفات القلصادى الأندلسى ما يثبت صحة ذلك, وبخاصة فى كتابه (كشف الأسرار عن علم حروف الغبار).  ولا يخفى ما لاستعمال هذه الرموز من أثر بالغ فى تقدم الرياضيات على اختلاف فروعها, وإنه لم المؤسف حقا أن ينسب إلى العالم الفرنسى فرانسيس فيت الذى عاش فيما بين (1540 – 1603 م) ابتكار تلك الرموز والإشارات الرياضية.

وهذا ويعد حل عمر الخيام (436 – 517 هـ) للمعادلات الرياضية ذات الدرجة الثالثة بواسطة القطوع المخروطية من أعظم الأعمال التى قدمها المسلمين للبشرية كلها, وبتأمل حل عمر الخيام للمعادلات التكعيبية باستخدام القطع المكافئ والدائرة – مثلا- يتبين جليا أنه تحدث عن الإحداث الأفقى (الإحداث السينى) ليفسر الإحداثيين للنقطة, وبذلك يكون عمر الخيام هو الذى وضع اللبنات الأولى لعلم الهندسة  التحليلية, وتلك تنسب للعالم الفرنسى رينيه ديكارت, الذى لا نشك أنه فقط طور الهندسة التحليلية وأرسى أصولها.

 منقول من: كتاب ماذا قدم المسلمون إلى العالم


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة