مدرسة جنين الثانوية الصناعية: عنوان لتطوير التعليم المهني والتقني في فلسطين

فلسطين المحتلة - أيام محدودة فصلت بين تحول الطالب ( م.م ) من جنين لمتسكع جديد في الشوارع يحمل شهادة فشل طوال عمره، ولطالب ملتزم بمقاعد الدراسة وحريص على الانتظام في صفه ويسابق لتسجيل أفضل النتائج الدراسية، التي أبهرت أسرته التي عانت لفترات طويلة من تسربه من المدارس وكراهيته الشديدة للمدرسة، وقبل ذلك أبهرت إدارة وأسرته مدرسته التي يعود الفضل الأكبر لها في إنقاذ مستقبله وتغيير حياته.ويشكل الطالب ( م ) نموذج لقطاع واسع من الطلبة الذين تحتضنهم مدرسة جنين الثانوية الصناعية في مقرها الجديد الذي انتهت عملية بناءه قبل عدة شهور في مدينة جنين، بتمويل من الحكومة الكورية التي رصدت لها ميزانية بلغت 2، 5 مليون دولا

 والتي فتحت أبوابها لاستقبال الطلبة مع مطلع العام الدراسي الجديد، بطواقم إدارية وتدريسية متخصصة كان لها الفضل الكبير في تغيير نظرة المجتمع والطلبة السائدة للتعليم الصناعي كما يقول مديرها المهندس رائق حثناوي "وجذب الطلبة وترغيبهم في الإقبال على هذا التخصص من التعليم الذي لا يقل أهمية عن باقي التخصصات"، مضيفا "فمعايير استيعاب الطلبة نفسها التي تطبق في المدارس وليس كما يعتقد البعض أن التعليم الصناعي هو للطلبة ( الفاشلين ) أو غير الأكفاء، بل على العكس فان مناهجها التعليمية النظرية والعملية بحاجة لجد واجتهاد ومثابرة والاهم قناعة الطالب بأنه أمام فرصة هامة للحصول على تعليم متطور بمناهج حديثة.

ولكن حتى الطلبة الذين عانوا من مشاكل في التعليم. يقول الحثناوي "وجدوا في التعليم الصناعي فرصتهم وضالتهم لذلك لدينا الكثير من النماذج التي جسدها الطالب ( م )، والذي أصبح من الملتزمين بالمدرسة والمتفوقين والذين تغيرت حياتهم بعد الدوام والمواظبة على الحصص..

أهمية المدارس الصناعية

وقال الحثناوي: انه " تمشيا مع خطة وزارة التربية والتعليم العالي فرع الإدارة العامة للكليات والتعليم المهني والتقني لتطوير التعليم المهني والتقني في فلسطين، ولزيادة فرص الالتحاق بهذا النوع من التعليم وخاصة في المناطق التي تفتقر إلى هذا النوع من التعليم تم إنشاء المدرسة الصناعية في جنين لتشمل 10 تخصصات تم اختيارها بناء على احتياجات سوق العمل بالمنطقة"، موضحا انه "بشكل عام يشمل التعليم المهني في فلسطين على (4) فروع هي الفرع الصناعي، والزراعي، التجاري، الفندقي، موزعة على (15) مدرسة صناعية (حكومية وخاصة )، مدرستان زراعيتان، مدرسة فندقية، و(59) مدرسة تجارية تشتمل على ( 124) شعبة للتعليم التجاري". ويؤكد حثناوي انه "انطلاقا من حرص وزارة التربية على تطوير التعليم المهني والتقني تم مؤخرا تبني الإستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب المهني والتقني، بحيث يكون هذا النظام كفوا، فعالا، مرنا، مستداما ومرتبطا باحتياجات سوق العمل الفلسطينية حيث يجري العمل على ( 4) محاور رئيسية: تطوير الأنظمة وتطوير المناهج وتطوير الموارد المادية وتطوير المصادر البشرية".

شروط القبول

وتحتضن مدينة جنين حاليا مدرستين للتعليم الصناعي، الأولي وهي القديمة تقع بالقرب من المنطقة الصناعية والثانية وهي الجديدة، وافتتحها رسميا رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض وتقع على الشارع الرئيسي المتوجه من المدينة إلى قرية بيت قاد وتبلغ طاقتهما الاستيعابية 300 طالب. وذكر الحثناوي أن "الوزارة وانطلاقا من حرصها على تعزيز التعليم الصناعي ونجاحه حرصت على تحديد عدة شروط لقبول الطالب: فيجب أن يكون ناجحا في الصف العاشر، و أن لا يزيد عمره في أول السنة الدراسية عن 20 سنة و أن يكون سليم الجسم خاليا من الأمراض والعاهات و أن يجتاز فحص القبول في المدرسة".

نظام الدراسة

وأوضح الحثناوي أن "المدرسة الصناعية تخضع لقوانين الوزارة فمدة الدراسة فيها سنتان تشمل (أول ثانوي وثاني ثانوي ) فيمضي الطالب ثلاثة إلى أربعة أيام من كل أسبوع بالمشغل الخاص به، ويتلقى التطبيق والتدريب العملي أما في باقي الأسبوع يتلقى دروسا نظرية في مباحث مختلفة أهمها: (رياضيات، فيزياء، اللغة العربية، الثقافة الدينية المهنية، تكنولوجيا المعلومات، اللغة الانجليزية ) إضافة إلى مواد التخصص"، مضيفا أن "الطالب في نهاية السنة الدراسية الثانية يتقدم لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة في الفروع المهنية (الصناعي، الزراعي، التجاري، الفندقي، الاقتصاد المنزلي ) ويحق للناجح في الامتحان الالتحاق بالجامعات والكليات التقنية في البرامج المناظرة لتخصصه، أو الانتقال للعمل في السوق المحلي في مجال اختصاصه، وهنا الفرق فالنظام التدريبي الذي وفر بفضل رعاية الوكالة الكورية للتعاون الدولي ( كويكا )، والتي وفرت كونها الجهة الممولة أجهزة ومعدات تدريبية حديثة، وفق أحدث المواصفات العالمية يؤهل الخريج بخبرات تمكنه من ممارسة ما تعلمه في سوق العمل بخبرة وإتقان يفوق حتى من امضوا سنوات طويلة في العمل الصناعي، وهذا هو التحدي الأكبر الذي تجسده فلسفة التعليم في هذه المدارس".

تخصصات هامة

وبينما كانت المدرسة القديمة والحديث للحثناوي "توفر للطلبة دراسة تخصصات صيانة أجهزة الحاسوب، صيانة الآلات المكتبية، الاتصالات، الالكترونيات الصناعية، تكنولوجيا المعلومات فان المدرسة المجهزة بأحدث وأرقى الأجهزة الكورية فتحت أمام الطلبة آفاق أخرى تعتبر من احتياجات سوق العمل فمؤسسة ( كويكا ) الكورية وفرت فيه مشاغل متطورة وحديثة لتعليم تخصصات: ميكانيك سيارات، كهرباء سيارات، تكييف وتبريد، استعمال الكهرباء، تمديدات صحة وتدفئة مركزية، كما ويتم تدريب طلاب كل تخصص بمشغل مستقل كامل المعدات من قبل مهندسين من ذوي الاختصاص والخبرة الفنية العالية".

المنهاج الدراسي

وذكر مدير المدرسة الحثناوي أن "المنهاج الدراسي في المدرسة الصناعية يوفر للطالب، فرصه تلقى دروسا في مباحث مختلفة تجمع بين الجانب النظري و العملي، كما أن هناك مباحث عامة يدرسها جميع الطلاب وهناك مواد خاصة يدرسها طلاب التخصص الواحد، ومواد التخصص هي: علم الصناعة تخصص ب4 حصص والتدريب العملي ب16 حصة".

الخبراء الكوريين

وخلال جولتنا في مشاغل المدرسة، صادفنا مجموعه من الخبراء الكوريين يقومون كما قال رئيس الوفد " يو بيون جسيوك ":" تثبيت وتجهيز وتشغيل التجهيزات الخاصة في المدرسة التي تم بنائها بتمويل من الحكومة الكورية، والتي تشمل أثاث وأجهزة ومعدات ومواد خام تم استيرادها من كوريا، لكي توفر لطلبة الفرع الصناعي كافة احتياجاتهم التدريبية الحديثة وحسب المواصفات العالمية وأضاف " هذا المشروع جاء لتعزيز التعاون بين كوريا وفلسطين. وذكر " يو " أن الفريق يتألف من 9 خبراء من مؤسسة ( كويكا ) حضروا خصيصا لتدريب الكادر التعليمي الفلسطيني بشكل جيد على المشاغل بما يحقق الاستدامة للمدرسة في المستقبل"، مضيفا أن "الحكومة الكورية حريصة على استمرار التعاون والعمل مع المدرسة ودعمها بشكل متواصل لذلك حرصت على تزويدها بمواد خام تكفي لعامين وبعد انجاز مهمة الفريق خلال شهرين ومغادرته سيكون آفاق تعاون مع المدير وطاقم المدرسة بشكل مستمر".

التجربة الكورية

وتتوزع في المشغل أجهزة متطورة وحديثة، ويقول " يو " "حرصنا على الاستفادة من التجربة الكورية في التعليم المهني والتقني لان تركيزها على هذا القطاع بعد انتهاء الحرب، وقيام الحكومة بوضع قوانين لدعمه ساهم في النهضة الصناعية التي جعلت بلادنا تحتل مكانة متقدمة في العالم صناعيا"، مضيفا أن "التشريعات الكورية جعلت هذا النوع من التعليم جزء من ثقافة المجتمع وأصبحت الحكومة توجه الطلاب نحوه، ولذلك أصبحت كوريا دولة صناعية متقدمة ونأمل أن تتكرر تلك التجربة بأرقى صورها في فلسطين".

ويبرز ذلك من خلال جولة مراسل القدس في مشغل الالكترونيات الصناعية في مدرسة جنين، ففي هذا القسم يقول الخبير " يو ":يدرس الطالب الدارات الالكترونية وعناصرها المختلفة كالموحد والترانزستور وغيرها بشكل عام والمتعلقة بالالكترونيات الصناعية بشكل خاص مثل الثايرستور والترياك، والدارات المتكاملة المتعلقة بمكبر العمليات والمؤقتات والدارات المنطقية وغيرها، حيث يقوم الطالب بتركيب وصيانة الدارات المتعلقة بالتحكم الالكتروني الصناعي"، مضيفا انه "يستطيع الطالب خريج هذا القسم العمل مباشرة كفني صيانة أجهزة الكترونية والعمل في مجال تصميم دوائر التحكم الصناعي".

مشغل الاتصالات

وجنبا إلى جنب، تعمل إدارة المدرسة وكوادرها التعليمية مع طاقم الخبراء الكوريين على انجاز اللمسات الأخيرة في هذا القسم الذي قال عنه " يو "انه "سيمكن الطلبة من دراسة أسس الاتصالات التمثيلية والرقمية، وتدريب الطلاب على صيانة أجهزة الهاتف العادية واللاسلكية، والأجهزة الخلوية وأجهزة الاستقبال من الأقمار الصناعية وأجهزة المقاسم الفرعية والتعرف على جميع أجزاء شبكة الهاتف السلكية وكيفية تخطيطها"، بالإضافة "إلى التعرف على مكونات شبكة الهاتف الخلوي ونظام الإرسال GSM. كما يتم تدريس الطالب أسس نقل إشارات الهاتف بواسطة خطوط النقل المتنوعة مثل أدلة الموجة والألياف الضوئية Fiber Optics وبواسطة نظام المايكروويف، بالإضافة إلى تدريس أسس نقل المعلومات بواسطة شبكة الانترنت وأجهزة الفاكس".

مشغل ميكانيك سيارات

ولتوفير تدريب متميز وعملي للطلبة.يقول الخبير الكوري "يو": حرصنا على توفير سيارات جديدة أحضرت خصيصا من كوريا لتدريب الطلبة فهذا القسم كما يضيف يهدف لتخريج عامل مهني قادر على فحص السيارات الحديثة Injection وصيانة وتصليح المركبات التي تعمل على البنزين من فك وتجميع للمحرك وإجراء العيارات اللازمة، وكذلك فك وصيانة وتجميع أنظمة التعليق من زمبركات وروادع واذرع توصيل إضافة لاستبدال القابض (الكلتش ) ومعايرة نظام القيادة وزوايا هندسة العجلات الأمامية. وبمحاذاته مباشرة يواصل الخبراء الكوريين تجهيز مشغل كهرباء سيارات لتعليم الطلبة، كما يقول الخبير "يو" أساسيات الكهرباء، مبادئ التيار المستمر والتناوب، أجهزة القياس الكهربائية، التاريض، البطاريات وأنظمة الإضاءة ونظام بدء الحركة والتشغيل، نظام التوليد، والشحن، نظام الإشعال الكهربائي، مبادئ الالكترونيات المساعدة، أنظمة البيان والتحذير، الأجهزة الالكترونية في السيارة، جدلات الأسلاك الكهربائية، السيارات الكهربائية الحديثة".

تعاون ونجاح

ويعبر رئيس الطاقم الكوري عن اعتزازه بتجربة العمل مع الطواقم الفلسطينية في المدرسة الصناعية، ويقول أن "المدير والأسرة التعليمية يعود لهم الفضل الكبير في إنجاح برنامج تجهيز المشاغل، فالإصرار والإرادة والإيمان بالمشروع ورسالته وأهدافه وحرص المدير على توفير ما يلزمنا وظروف العمل والتنسيق والتعاون والعلاقة المشتركة، شجعت فريق الخبراء على تقديم أفضل ما لديه من خبرات تساعد على تحقيق الأهداف المتوخاة من تأسيس هذا الصرح العلمي"، وهو ما يؤكده الحثناوي منوها أن " دور فريق الخبراء الكوريين ورعايتهم وإشرافهم كان هاما في دفع المشروع وإنجاحه على كافة الصعد فقد تعاملوا وكأنهم يعملون في بلادهم ولم يبخلوا علينا بخبراتهم وإرشاداتهم الهامة".

الطالب بعد التخرج

ويؤكد الحثناوي أن "المشاغل الجديدة تعتبر نقلة نوعية في دعم خطة الوزارة لتطوير التعليم المهني والتقني في فلسطين ولفتح الآفاق الواسعة أمام الطلبة"، مضيفا انه "بعد نجاح الطالب في المرحلة الثانوية وحصوله على شهادة الثانوية العامة في الفرع الصناعي يكون أمامه مسارين الأول: الانتقال إلى العمل في السوق المحلية حيث يكون الطالب قد اكتسب المهارات والخبرة العملية الكافية والتي تؤهله للعمل في مجال مهنته وتخصصه، والثاني الالتحاق بالكليات أو المعاهد أو الجامعات لإكمال تعليمه العالي وهناك كثير من المجالات والتخصصات مفتوحة أمام الطالب الصناعي أهمها: جميع التخصصات الهندسية"، مشيرا إلى انه ليس من الضروري أن يدرس الطالب في الجامعة نفس تخصصه في المدرسة، فيحق مثلا للطالب خريج مشغل الالكترونيات أن يدرس الهندسة المعمارية، تخصصات التربية وتخصص تكنولوجيا المعلومات وتخصص العلوم الإدارية والمالية وغيرها ".

المصدر: فلسطين المستقبل


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة