ثقافة شعبية: إضـــراب بغــــداد عـــــــــام 1931

سمي اضراب بغداد عام 1931 بمسميات عدة حيث اطلق عليه الانكليز اسم (الهيجان) من باب الاستخفاف به والتقليل من اهميته.... وسمي باضراب الرسوم البلدية لكن المؤرخ العراقي المعروف السيد عبد الرزاق الحسني سماه (ثورة الشعب الصامتة) ان هذا الحس الوطني العالي يستند الى امتلاك الجماهير العمالية ارثاً خالداً من النضال الانساني بابعاده القومية ومضامينه الطبقية وتفرده الحضاري المتميز في الاسهام في عملية بناء المجتمع والكفاح المستمر من اجل العدالة الاجتماعية على مدى عصور سلفت وحضرات مرت قبل ان تظهر الى الوجود المفاهيم والمصطلحات والتقاليد العمالية الحيثة المعاصرة.ففي ظل الحضارات القديمة كانت حضارة وادي الرافدين ووادي النيل ممثلة بالمعابد هي ارقى اشكال الحياة في مضامينها الروحية وثرائها المادي

الذي كانت تضمه بين جدرانها وورشات العمل التي كانت تحتضن كفاءة وبراعة العمال التي خلدتها اللوحات الطينية التي دونت حضارة وادي الرافدين وكشفت تلك اللوحات جانباً مهماً من حياة العمل والعمال مشفوعة بانماط من التسميات والتنظيمات الحرفية كالنساجين والصاغة والنساجين والخزافين. وبما ان التطور حالة بديهية يفرضها مستوى النمو الفكري للأنسان وهو ما انعكس عبر عشرات القرون التي مرت والتي شكلت انعكاساً حقيقياً لتطور الحياة وتنامي المساهمة العمالية الجماهيرية على طريق تعاظم المسؤوليات المهنية والثقافية من اجل النهوض المستمر بالحياة المتطورة. لقد كان للعمل في الحياة العربية القديمة قدسية رفيعة تقترن بالتخصص الحرفي للأنبياء من اصحاب الرسالات السماوية حيث انتصرت ارادة الاسلام على قوى الشرك واركان العبودية. لقد فتحت الثورة العربية الصفحة المشرقة الاخرى في حياة الجماهير العمالية بحيث وضعت الامة العربية امام مرحلة اكثر توحدا واشراقا في التعبير عن نزعاتها الانسانية وتوظيفها في خدمة البشرية كلها والارتقاء بها نحو التطور والنهوض من خلال جملة من الاجراءات القيمة لتطوير العمل والعمال التي اسهمت باعادة تشكيل التنظيمات الحرفية والعناية بها والاشراف عليها وجعل الصحابة والانصار حسب التخصصات المهنية على راس تلك التنظيمات ضماناً لعدم التلاعب في الاوزان ومنع الغش وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المستوى الاقتصادي وتطوير الكفاءات الانتاجية للعاملين في الصناعات الحرفية على اختلافها وفي عهد الخلفاء الراشدين تطورت مسارات العمل والانتاج في مختلف الاصعدة. وفي ظل الدولة العربية الاسلامية ازدهرت الحياة صعوداً وكان في دار السلام - بغداد - (100) الف عامل متخصص بالفنون المعمارية حيث ازدهرت حركة العمل والعمال التي اكتضت بعشرات الالوف من ورشات العمل قبل اكثر من الف وثلثمائة عام. وفي عهد الدولة العباسية اقيمت ورشات عمل متعددة الى جانب النهوض الحضاري وانتشار الفنون التطبيقية. وفي تنامي حضارة بغداد ازدهرت حركة العمل والعمال حيث تناول عدد كبير من المؤرخين والفلاسفة والادباء بالدراسة المستفيضة وبالرأي السديد وبالاحصاء الدقيق في جميع مناحي الحياة المتعلقة بالجماهير العمالية ووصف حياة العمال ومستوياتهم المعاشية وفي مقدمتهم الحسن البصري ومحمد ابو الحسن الشيباني والقاضي الماوردي واخوان الصفا وابن خلدون وغيرهم. وكان للجماهير العمالية شرف الريادة في النضال الوطني والوقوف في وجه الظلم والاستبداد والتحدث بشجاعة عن سياسة المستشارين الانكليز واساليبهم الماكرة واصطرعت معهم بسلاح الايمان وبهمة الرجال المضحين الواقفين في مواجهة اركان النظام الاستعماري وتجاوز الطغمة الرجعية في اضراب عمالي اتسم بابعاده القومية والوطنية المقترنة بقوة الوعي السياسي الذي يحدد المطاليب العمالية المشروعة في تكافؤ فرص العمل ضمن قانون عمل وطني مشرع قانوناً.. أسباب الاضراب لاتظل الحياة رتيبة يكتنفها الغموض والتراخي والتعلل بالامال حين يكون هناك وعي سياسي ينمو تدريجياً ويتفاعل صعوداً مع مر الزمن تحركه بالضد تصرفات الحكام واستشراء حالات الفساد والاستغلال والسيطرة الغاشمة ذات المطامح الشخصية المباشرة. ان العمال هم عصب الحياة المتحركة دائماً في ادارة دفة الدولة في الجانب الخدماتي والانتاجي الذي لو توقف في يوم ما لتوقفت ماكنة الحياة اليومية وعليه:. فأن الهياكل التنظيمية الاولى للحركة النقابية كان لها دور مباشر في التهيأة لهذا الاضراب انطلاقاً من كون الحركة النقابية العمالية منذ بواكير نشوئها هي طبقة وطنية تكرس النضال لمصلحة الوطن أولاً وللعمال ثانياً.. واذا كانت ثورة العشرين هي ثورة الفلاحين فان اضراب بغددا في الخامس من تموز 1931 هو ثورة العمال الصامتة وهي الرد الوطني الذي انطلق من بغداد صوتاً عراقياً رافضاً وصايا المستعمرين الانكليز وكانت بدايات الاضراب هو سيادة السكون مدينة بغداد وتوقف الحركة اليومية واقفال جميع المحلات وتوقف الاهالي عن البيع والشراء والاكتفاء بماتيسر لهم من مؤن عينية وتدبيرات ذاتية... وقد وصفت الصحافة في حينه يوم بداية الاضراب بان بغداد (لم تشهد اضراباً شاملاً كالاضراب الذي حدث أمس) اما الانكليز فقد وصفوه بانه نوع من الهيجان للنيل منه ونعته بالفوضى للتقليل من اهميته والبداية كانت منذ عام 1917 حين دخل الانكليز بغداد في اذار من نفس العام وشرعوا بتهيأة وسائل السيطرة ومصادرة حرية الفرد والمجتمع من خلال اصدار قائد الحملة البريطانية لبلاد مابين النهرين قانون الرسوم البلدية والذي كان بمنزلة عصا غليظة أقضت مضاجع اصحاب الصنائع والحرف وخاصة الذين كانوا يناهضون السياسة الاستعمارية للاحتلال الاجنبي الجديد في وقت نمت فيه طبقة جديدة من المنتفعين الانتهازيين الذين امتلأت جيوبهم بين عشية وضحاها على حساب الفقراء المعدمين وفي طليعتهم الطبقة العمالية. وحين تولى نوري السعيد اول وزارة في 23 اذار 1930 اصدر موافقات سريعة على الاتفاقيات البريطانية المبرمة سابقا وعمل على توثيق الانظمة والتعليمات الانكليزية حيث تميزت وزارته الاولى بكثرة اصدار القوانين والانظمة وكان من بينها قانون الرسوم البلدية الذي اشتمل على (114) حالة من حالات فرض الرسوم ثم الزام دفعها حتى على نزاحي المياة الثقيلة وصباغي الاحذية والحمالين. لقد طرح هذا القانون على مجلس النواب في جلسته الاربعين حيث نوقش في العاشرة من صباح العاشر من اذار 1931 وكان النقاش فيه محتدماً بين النواب واول المتحدثين النائب احمد الجليلي وكان قد ايد ضمنياً تشريع القانون لوجود مادة في الدستور تتيح للبلدية جمع مثل هذه الرسوم. اما النائب ابراهيم عطا رباشي فقد وصف هذا القانون بانه نوع من الرسوم الثقيلة التي ترهق كاهل المواطن ودعا الحكومة الى تخفيفها شارحاً الحالة المزرية التي يعانيها المعنيون بدفع الضرائب من اصحاب معامل الثلج والصودا والطابوق وغسالي الملابس وصقالي الجلود والدباغين والحدادين وغيرهم من اصحاب الحرف. ثم تحدث رئيس الوزراء ووكيل الداخلية نوري السعيد مدافعاً عن تشريع القانون وفي مداخلة سمجة اكال النائب ثابت عبد النور المديح ساعات لفخامة نوري السعيد موضحاً ان هذا القانون له مبررات اصداره وانتهى النقاش سفسطائياً بدون احراز نتيجة. وغادر القاعة العديد من الاعضاء دون ان يعيروا اهمية لتحذيرات نائب رئيس الجلسة خوفاً من عدم اكتمال النصاب القانوني في التصويت. ان الاوضاع السياسية في العراق تتسم بعدم الاستقرار نتيجة الغليان السياسي الذي نجم عن توقيع المعاهدة العراقية - البريطانية التي جددت الانتداب ومنحته صفة شرعية دستورية هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فان هيئة المستشارين الانكليز كانت تتابع سراً وعلانيةً ما يجري على الساحة الوطنية والقومية وتعمل من طرف خفي على جر شخصيات واحزاب معينة الى حلبة الصراع الذي من شأنه ترجيح كفة المصالح البريطانية على النحو الذي افضت اليه تجربة المرحوم عبد المحسن السعدون وحزبه المعروف بحزب التقدم التي قال: ازاءها قولته المشهورة (الشعب يريد والانكليز لا يوافقون) وعليه: ظل العمل على جر قوى المعارضة الى جانب السياسة البريطانية التي كانت تسمى جزافاً بالائتلاف الحكومي في الوزارت التي يؤلفها نوري السعيد وهذا ماحدث في استقطاب الوزارة الحاكمة لأحد اقوى تلك الرؤوس المعارضة حيث تم التأثير على مزاحم الباججي الى صفوف الوزارة السعيدية المهزوزة شعبياً وحزبياً بهدف دعمها ظاهرياً واضفاء صفة الشعبية عليها لكن الهدف العام هم تهديم المعارضة كمحصلة اخيرة والنيل منها بهدوء بعد اضفاء صفة الديمقراطية على العمل السياسي في وقت لا يفسر فيه مثل هذا الاجراء الا كونه نوعاً من انواع الديماغوجيه. ومن المضاعفات التي سارعت في بلورة الاحداث ان صيف عام 1931 كان صيفاً ملتهباً ساخناً في وقت مبكر مشفوعاً بغليان شعبي متفجرحيث استقال ثلاثة من اكثر نواب بغداد قوة احتجاجاً على مناقشة قانون ادارة البلديات فذكروا في بيان الاستقالة (ان الادلة والبراهين قد توفرت لدينا بان الحكومة لم تحترم الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور ولم تعبأ بأحكام القوانين في تنفيذ اغراضها وغاياتها التي لم تأتلف والصالح العام) وكان هؤلاء النواب هم من الذين تناوبوا على رئاسة الوزارات السابقة وهم السادة رشيد عالي الكيلاني وياسين الهاشمي وعلي جودت الايوبي: ترى الا يفرز هذا الموقف السياسي المعلن على رؤوس الاشهاد موقفاً تعزيزياً للنضال العمالي المشروع في المطالبة بحقوقهم المهدورة؟ لقد بلغ التوجه نحو الرأسمالية ذروته لدى الانكليز الذين خفضوا من العمالة العراقية الوطنية في المشاريع الانكليزية التي أنشأت اصلا ً لخدمة المصالح الاستعمارية وربط العراق بالرساميل الاجنبية وتقليص الحجم العددي للقوى العاملة العراقية بشكل واضح في المشاريع الكبيرة مثل السكك الحديد التي انخفضت فيها العمالة من (8129)عام 1926 الى (4000) عامل سنة 1931 وفي شركة النفط العراقية كان عدد العمال (3500) عاملاً انخفض الى (1636) في حزيران 1931 وهذا بطبيعة الحال انسحب على انخفاض مستوى المعيشة للعمال مضافاً الى انخفاض مستوى العمال. لقد أخذت معظم المشاريع الاقتصادية القائمة على التمويل الاجنبي تعاني من ازمات حقيقية لضعف مصادر التمويل الاجنبية مشفوعة بضعف القوة الشرائية الداخلية وتبعه ان الحكومة أخذت تخفض من الملاكات الحكومية العامة بحجة تنسيق الملاكات الوظيفية في الدولة العراقية الامر الذي ساهم في زيادة البطالة وضاعف من اعداد العاطلين. هذا الواقع قد انعكس سلبياً على الحياة العامة وخلق ازمات اقتصادية في عدد من القطاعات الاقتصادية وظهرت نتائجه السلبية المباشرة على حياة الجماهير العمالية فنمت حالات التذمر واتسع نطاق المشاكل وانعكس على طبيعة النضال الوطني الامر الذي رص الصفوف واوجد مستوى عال من التلاحم الجماهيري على ارض الواقع الذي يدعم التجربة النقابية الحديثة. وكان من نتائج هذا التلاحم العمالي الشعبي بروز الاتحاد القوى بين عمال المهنة واصحابها وطرد العمال الاجانب وحل محلهم عمال عراقيون وتم تشجيع الانتاج الوطني الى جانب الوقوف الحازم ضد الارادة الانكليزية باعتبارها شكلاً من اشكال الانتداب البريطاني وامتداداته المختلفة. هذا التوجه الوطني ساهم في تجذير حياة الجماهير العمالية وتوسيع قاعدة نضالها ضد المؤسسات الاستعمارية واستغلال الشركات الاجنبية فقد قام عمال السكك الحديد باضرابهم الثاني الذي تكلل بالاتفاق بين مدير السكك الحديد ووفد جمعية اصحاب المصانع والحرف لكن الالتفاف على مطاليب عمال السكك كان السبب المباشر في التهيئة الجماهيرية لاعلان اضراب الرسوم البلدية بل ساهم في ايجاد قاعدة عمالية متحمسة لتعبئة الاضراب بالتزام وانضباط عال وتنديد الخلاف بين مديرية السكك وجمعية اصحاب الصنائع. انتهى الاضراب الثاني الذي قام به عمال السكك بموجب اتفاق تم بين اصحاب الصنائع ومدير السكك الحديد وحسمت القضية في 1931/4/3 في مكتب وزير الاقتصاد والمواصلات حيث كان الوزير المختص وسيطاً في حل الخلافات بين الطرفين. ومبدئياً نفذت ادارة السكك الشروط التي تم الاتفاق عليها لكن مديرية السكك قلبت ظهر المجن للعمال وعمدت الى مخالفة قسم من نقاط الاتفاق الامر الذي دعا طلب معاونة الوزير المختص لاجبار السكك على تنفيذ بنود الاتفاقية لكن الوزير المختص لم يتدخل بشكل حاسم فظلت الحالة عائمة فبدا التأجيل والتسويف طلبت اثناءه مديرية السكك اختيار احد أمرين مدعية انها كانت مرغمة على تنفيذ احدهما وهما: أ- الموافقة على تنسيق عدد معين من العمال العراقيين لسد اجورهم والنقص الموجود في ميزانيتها. ب- الموافقة على توزيع هذا النقص على اجورهم. تمت الموافقة على الطريقة الاولى لكن (انحاز الوزير المختص لجانب السكك في الوقت الذي كان فيه الاختلاف بين السكك وجمعية اصحاب المصانع بالغاً ذروته) وحدث ان اصدرت أمانة العاصمة قراراً يقضي بمنع الباصات الكبيرة من السير بالشوارع العامة... انتهزت جمعية اصحاب الصنائع هذه الفرصة لمجابهة السكك وتمت دعوة اصحاب الباصات لتشكيل شركة نقل اهلية قوامها السيارات الممنوعة لنقل الزوار بين بغداد والاماكن المقدسة وكانت الفرصة سانحة لقرب مراسيم عاشوراء وتعهد فريق من رجال الدين والوجهاء على معاضدة هذا المشروع فانسحبت جمعية اصحاب الصنائع عن تنفيذ الاضراب الثالث المتوقع حدوثه. اعتقدت جمعية اصحاب الصنائع ان هذا الاجراء يكبد السكك اضراراً مادية كبرى اكثر مما يكبدها الاضراب فعملت على اخراج هذه الفكرة الى الوجود وهي بنفس الوقت تنعش العمال المنكوبين برزقهم من خلال تشغيلهم في هذه الشركة الاهلية لكن مدير السكك شعر بفحوى الخطة فهرع راكضاً الى وزير الداخلية لاقناعه بسحب القرار القاضي بمنع الباصات من السير في الشوارع العامة وكان له ما اراد فأصدرت أمانة العاصمة بياناً بتأجيل موعد التنفيذ الى اشعار اخر بدل ان يتم منع الباصات اعتباراً من 1931/7/1. هذه النتيجة السلبية انسحبت على العمال وتلقوا صدمة ثانية لكن العمال لم ييأسوا بل ازدادوا صلابة واصراراً على مواصلة النضال وكان هذا التصرف قد شكل مسكاً لزمام المبادرة في قيادة النضال العمالي واصطف معه الرأي العام بمختلف طبقاته وشرائحه الاجتماعية فكسب العمال تأييد الرأي العام الامر الذي أدى الى وقوف كل القوى الوطنية الى جانب القضايا العمالية الموجهة اساساً ضد المصالح والوجود البريطاني في العراق وكان الاضراب الثاني لعمال السكك قد بدأ في 12 شباط 1931 فكانت حقاً تعبئة جماهيرية. قامت جمعية اصحاب الصنائع والحرف بالتعاون والتنسيق مع بقية الجمعيات المهنية العمالية. وهنا انبرت الصحافة السياسية والقوى الوطنية والقومية تعبر عن تقديرها واعجابها بوحدة القوى العاملة العراقية وفي الوقت نفسه أثنت على المنهج الكفاحي الحازم والمستقل للحركة النقابية في تحديها للشركات الاجنبية وغطرسة المدراء الانكليز وتواطؤ ادارة الحكم الخاضعة لمشيئتهم. استطاع هذا الواقع الجديد بلورة التنظيم النقابي من خلال توحيد جهوده ونصرة عمال السكك حيث تشكلت لجنة خاصة من منتسبي جمعية اصحاب الصنائع وعمال الميكانيك لجمع التبرعات لعمال السكك الذين دام اضرابهم اكثر من(21 يوماً). ومن باب حشد التأييد لمطاليب العمال المضربين خرجت من جامع الحيدر خانة مظاهرة سلمية عقد بعدها اجتماع عام في مقر جمعية اصحاب الصنائع والحرف حضره بعض من الاعيان والنواب ووفود من هيئات وجمعيات العمال وجماعة من العلماء والصحفيين والادباء والقيت في الاجتماع خطب وقصائد حماسية متنوعة كانت ذات تأثير في رفع الحماس الوطني وتحشيد الرأي لصالح الحركة النقابية. لكن ادارة السكك والشركات الاجنبية ظلت تمعن في هضم حقوق العمال وتسريح العشرات منهم يومياً. وقد نددت جمعية اصحاب الصنائع والحرف في بيان طلبت فيه من العمال العاطلين عن العمل مراجعة الجمعية لتسجيل اسمائهم واعربت عن تصميمها على مفاوضة الحكومة وايجاد اعمال بديلة للعمال واحلالهم بدلاً عن العمال الاجانب في دوائر السكك والميناء والشركات النفطية وفيما يلي بعضاً من هذا البيان الذي اوضح بان جمعية اصحاب الصنائع والحرف قد أسست لمساعدة العامل العراقي والعمل على تنشغيله دون العامل الاجنبي الا في الامور الفنية ذات الاختصاص الفريد على ان يتم تدريب العراقي على الاختصاص المطلوب تباعاً. لقد بلغ عدد العمال العاطلين عن العمل الذين راجعوا الجمعية (700) عامل في وقت صدرت فيه الارادة الملكية بالمصادقة على تنفيذ قانون رسوم البلديات وعلى اثر هذه المصادقة عقدت جمعية اصحاب الصنائع والحرف اجتماعاً مساء السبت الموافق 27 حزيران 1931 رفعت على اثره مضبطة الى (حضرة صاحب المعالي وزير الداخلية الافخم) خلاصتها: ان جريدة الوقائع الرسمية بعددها المؤرخ في 1931/6/14 نشرت قانون رسوم البلديات رقم 86 لسنة 1931 موضحة فيه عدم قدرة المشمولين بدفع الرسوم على دفعها للضيق المالي الذي يعانيه العمال بسبب البطالة المستشرية بين صفوف العمال طالبين الرأفة بتخفيف الضرائب معلنين الاعتذار عن تطبيق القانون المذكور، وكان عدد الموقعين على المظبطة (23) رئيس صنف من اصناف الصنائع والحرف وهم كل من: 1- رئيس جمعية اصحاب الصنائع في العراق 2- عن رئيس لجنة عمال الميكانيك في العراق 3- رئيس جمعية البقالين 4- رئيس صنف الحدادين 5- رئيس صنف البزازين 6- رئيس جمعية تعاون الحلاقين 7-رؤساء البنائين 8- رئيس صنف الخدم والطباخين 9- رئيس صنف خياطي العبي 10- شيخ الصبياغ 11- رئيس صنف قصابي البقر والمعدان 12-رئيس النجارين 13- صنف النساجين 14- رئيس القهوجية 15- رئيس عمال الاحذية 16- رئيس الكوازين 17- رئيس مصلحي وبائعي الدراجات 18-رئيس الاطرقجية 19-رئيس الصباغين 20- رئيس الشركجية 21- رئيس صنف خياطي الالبسة 22- رئيس القصابين 23- رئيس العلافين ثم قام وفد منتخب من الرؤساء المذكورين اعلاه بتسليم المضبطة الى وزير الداخلية بمكتبه فوعدهم بالاهتمام بها خلال يومين - ثلاثة كما وعدهم وكيل رئيس الوزراء الذي كان حاضراً في مكتب نفس الوزير بنفس الموعد. وبعد ذلك قابل الوفد امين العاصمةفوعدهم بنفس الاهتمامات السابقة غير ان هذه المواعيد ذهبت ادراج الرياح بما لا تشتهي السفن وكانت مواعيداً للاستهلاك الاعلامي المحشو بامال كبيرة وهكذا سقطت المواعيد في عمر الزمن المضاع ولم يتم الارتقاء الى مستوى الامانة التاريخية في اتخاذ القرار ووضعه موضع التنفيذ وهذا ناجم عن كون ماهية النظام الحاكم هو نظام رأسمالي لا يفكر الا في اطار مصلحته فهو أناني في اعطاء اي منفعة لغيره. وهكذا سقط اللثام عن وجه (معالي مزاحم الباججي وزير الداخلية) الذي انتقل من صفوف المعارضة الى الوزارة السعيدية مدعياً انها ستنهض بمسؤوليته الوطنية التي لا تستطيع احزاب المعارضة استيعابها. ومن يدري لعل لجوء الباججي الى صفوف المعارضة الوطنية اول الامر هو ديماغوجية متفق عليها مسبقاً مع نوري السعيد وكانت نتائج الموقف السلبي من قبل وزير الداخلية المضادة لطموحات العمال ان نجم عنها:. ممارسة الضغط ضد العمال وتعقيب قادتهم النقابيين وبث الجواسيس بين صفوفهم والايعاز لاجهزة الشرطة والتحريات الجنائية بالضغط على العمال وانتزاع براءات منهم بعدم تأييد المطاليب العمالية وخاصة عمال السكك الحديد والمطالبين برفع رسوم البلدية..... لكن اجراءات وزير الداخلية هذه لم تفت في عضد العمال فظلت مطاليبهم تتوالى في شجب الاجراءات المضادة والاستنكار لقانون الرسوم البلدية من قبل الجمعيات العمالية والاصناف المهنية الاخرى حيث رفع اكثر من (25) من بائعي صنف (الخوردة فروشية) في الحلة مضبطة معلنين تضامنهم مع عمال بغداد في 29 حزيران 1931 وقد وقعه عنهم السيد حسين السيد علي وعبد الغني علوان الحائك وظلت العرائض تنهال على المسؤولين وصحف المعارضة الوطنية. ونتيجة لهذا الزخم الرافض لقانون الرسوم البلدية احال أمين العاصمة في حينه قانون رسوم البدية الى لجنة خاصة لدراسة ورفع التوصيات بشأنه لكن المدة التي حددها وزير الداخلية انتهت بدون اتخاذ اي موقف عملي بصورة رسمية بل صعدت حملات الملاحقة للعمال في وقت عزم فيه رؤوساء الجمعيات والاصناف العمالية الاخرى على القيام بالاضراب العام اذا لم تقم الحكومة بالغاء او تخفيض رسوم البلديات فنظموا اجتماعاً في مقر جمعية اصحاب المصنائع والحرف واطلعوا احزاب المعارضة على نواياهم المستقبلية وعلى اثر هذه التهديدات التي انتشرت في الاوساط الشعبية اصدرت ملاحظية المطبوعات بياناً رسمياً حول رسوم البلديات نشرته جريدة العالم العربي بعددها 2240 بيان رسمي حول رسوم البلديات اصدرت ملاحظية المطبوعات بياناً رسمياً حول رسوم البلديات موقع من قبل مدير المطبوعات جاء فيه: ان وزير الداخلية بمقتضى السلطة المخولة له في قانون رسوم البديات يدرس الان الطلبات التي تقدم بها البعض من ارباب المهن والصنائع ويؤمل الانتهاء من دراسته في القريب العاجل. ويود ان يعلم الناس ان الحكومة الحاضرة التي جعلت همها الوحيد خفض الضرائب والغاء بعضها لا يعقل ان تطرح ضرائب جديدة ولهذا يحذر ارباب المهن والصنائع من الاستماع الى البيانات التي يراد منها تشويه الغايات المقصودة من القانون المذكورة لاغراض خاصة. وعليه يلاحظ من فحوى البيان: انه ينطوي على حجم معين من التهدئة والوعود ذات الطابع الاقناعي على الانتظار بهدف امتصاص النقمة الشعبية وعدم ولوج الابواب التي تفضي الى المطالبة بالحسم السريع وعدم الانجرار وراء ما اسماهم ذوي الغايات المقصودة. وبنفس الوقت حذرت الحكومة الصحف اليومية الحكومة من نتائج التمادي بالمماطلة والتسويف فكتبت جريدة العالم العربي إفتتاحية بعنوان (امامكم مشروع حسن فقوموا به حالاً) استعرضت فيه مهمات الحكومة في ايجاد بعض المشاريع الانمائية مثل السلف الزراعية مشيرة الى ان الفقر الناجم عن البطالة قد سيطر على المواطنين مطالبة الحكومة بالاستجابة للنداء المعمول النزيه المطالب بالغاء او تخفيض الضرائب ناعتة المضابط التي قدمت هي نوع من الاستصراخ العمالي مشيرة الى ان الاجهزة الامنية باتت تلاحق رؤوس الاصناف المهنية وان العمال لم يحصلوا الا على المواعيد والمماطلات لذلك قرروا الاضراب العام في 5 تموز 1931.

منقول من: جريدة المدى


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة