زجاج العاشق والمعشوق.. تحفة فنية تمنحك الجمال والراحة

ما بين "أباجورة" رائعة تضفي مزيجاً من الإضاءة المتناغمة على جوانب المكان، وبين "بارافان" يفصل ما بين جزء من ديكور المنزل وآخر، أو باب أو نافذة يمنحك النظر إليها متعة التأمل في جمال الألوان والفخامة التي أضفتها على المكان، أو قبة سماوية تتسلل منها أشعة الشمس في حميمية، تأتي أعمال الزجاج الملون والمعشق مع بعضه والذي يطلق عليه في بعض الدول العربية اسم "الفيتراي". الزجاج المعشق فن قديم تشهد روائعه في العديد من المساجد والكنائس والقصور التاريخية، لكنه أيضا فن متجدد من حيث التقنية، ومن حيث انتشار استعماله في مختلف طرز الديكور الحديث. وكما يعرفه المتخصصون في عالم التصميم الداخلي للمنازل، فهو عبارة عن زجاج يلون أثناء تصنيعه من خلال إضافة الأكاسيد المعدنية إلى التركيبة الأساسية للزجاج، ويتم تقطيعه حسب التصميم المطلوب سواءً كان لنافذة أو أي جزء آخر، ثم يتم تجميع هذا الزجاج وتشكيله بواسطة شرائط معدنية وغالباً ما تكون من الرصاص مع إمكانية استخدام الزنك والنحاس.

وقد سمي بالمعشق لإدخال الزجاج داخل قنوات الشرائط المعدنية، وهو معروف في اللغة العربية بالعاشق والمعشوق، والسبب أنه لو كان الزجاج معشقا بالرصاص، يكون فيه العاشق هو الزجاج والمعشوق هو الرصاص. ويتم باستخدام هذه الشرائط تشكيل وزخرفة الزجاج للحصول على التصميم المطلوب، الذي من الممكن أن يكون رسما تجريديا، أو صورة أو أباجورة أو نافذة، أو قبة.

بدايات هذا الفن تعود إلى القرون الوسطى في أوروبا، حيث كان الفقراء يقومون بجمع بقايا الزجاج من نفايات الأغنياء، ثم يقومون بلصقها وتجميعها الواحدة جنب الأخرى لتشكل ساترا لنوافذ أكواخهم، إلا أن التكوين الجميل لتلك الإبداعات، لفت نظر الأثرياء الذين استهوتهم الفكرة، فطوروها على يد حرفيين ماهرين. وهكذا اصبح الزجاج المعشق الملون يزين واجهات القصور ونوافذ الكاتدرائيات والكنائس. ولفترة طويلة كان توظيف الزجاج بألوانه البديعة في عملية البناء ضرورة لا غنى عنها عند تشييد القصور والأبنية. ومن أوروبا انتقل هذا الفن الى فن المعمار الإسلامي وبرع البناؤون على مدار التاريخ الإسلامي في توظيفه كعنصر رئيسي من عناصر الديكور التي تضفي جمالا وسحرا في العمارة الإسلامية، وانتشرت نوافذ الزجاج المعشق بالجص"الجبس"، كمظهر من مظاهر العمارة الإسلامية، ومن أشهر الأماكن التي استخدم فيها الزجاج المعشق في تكوين لوحات رائعة، نوافذ الجامع الأموي بدمشق، وجامع عمرو بن العاص بالفسطاط وجامع أحمد بن طولون في مصر.

وفي عصرنا الحالي، أعيد إحياء هذا الفن، وأصبحنا نرى استخدامات الزجاج الملون والمعشق في ديكورات مختلف أركان المنزل، كما لجأت إليه الفنادق وأماكن الاسترخاء، ولعل السبب في ذلك كما يقول محمد غتوري، مهندس ديكور متخصص في هذا المجال، الرونق الجمالي الذي يمنحه لأي مكان وأي مساحة، إضافة الى تطور وسائل صناعته بما يوفر الكثير من الجهد ويزيد من إمكانية التلاعب بالألوان والأشكال، لذا أصبح الزجاج المعشق والملون عنصرا أساسيا في الديكور لطابعه التزييني الخالص كلوحة في الحائط تمتزج ألوانها مع الضوء فتزداد جمالا. ولا يوازي جماله كعنصر زينة في النهار سوى سحر ألوانه في الليل وقد انعكست عليها إضاءة خافتة. أما الأماكن التي يمكن أن يستخدم فيها الزجاج المعشق كجزء من الديكور الخاص بها كما يقول الغتوري، فهي النوافذ بشكل أساسي. ويكون الهدف في هذه الحالة جمالياً ولا يكون إدخال الضوء بقدر ما يكون التحكم في الضوء، حسب الألوان وكثافة الزجاج، لذلك يطلق دائما على النوافذ المصنعة من الزجاج المعشق wall" "decoration eliminated. يستخدم أيضا في عمل القواطع الداخلية "البرافانات" لأن من مميزات الزجاج المعشق إمكانية حجب الرؤية وإعطاء خصوصية واستقلالية للمكان، ومن أهم استخدامات الزجاج المعشق أيضا، استخدامه في تزيين القبب والمناور السماوية خاصة في الفيلات والقصور، وهي عبارة عن فتحات في السقف تكون إما دائرية الشكل أو مربعة أو مستطيلة أو سداسية أو ثمانية الأضلاع أو أي شكل هندسي آخر، حيث يتم تغطية هذه المناور عن طريق تصنيع الزجاج المعشق إما بشكل محدب الى الخارج أو قبة مقعرة الى الداخل أو بشكل هرمي أو بشكل مسطح منبسط، كما يمكن استخدامه في تزيين الأباجورات والأباليك والنجف، حيث ان وجود تشكيلات الزجاج المعشق مع وحدات الإضاءة الساطعة من السقوف يعطي منظرا جميلا". الإضاءة تلعب الإضاءة التي تستخدم مع الزجاج المعشق دورا هاما في إبراز جمال هذه القطعة الفنية، كما يؤكد المهندس محمد الغتوري، وبخاصة الإضاءة الطبيعية لأنها تعطي جمالا وحياة لألوان الزجاج، تختلف حسب ساعات النهار، على عكس الإضاءة الصناعية فهي ثابتة لا تتغير. إلا أنه في حال انعدام مصدر للإضاءة الطبيعية، فمن الممكن اللجوء إلى الإنارة الصناعية خلف الزجاج المعشق. ومن الألوان المفضل استخدامها في ذلك الفن، الألوان القوية مثل الأزرق، الأصفر، الأحمر والبنفسجي، حيث تتميز بأنها تناسب كل ألوان الديكور والأثاث، وتتناسب مع كل الأجواء. بينما لا يفضل استخدام ألوان الباستيل مثل البيج أو الرمادي فيه، لأنها ستجعل لون الزجاج باهتاً، ولا تظهر قيمته الجمالية.

أنواعه لا يقتصر الزجاج المعشق على نوع واحد، فهناك "الفيوزينك"، مثلا، ويتميز برسومات بارزة على سطحه، ويصنع عن طريق دمج عدة ألوان من الزجاج وصبها في قوالب خاصة ومعالجتها في الفرن الحراري تحت درجات حرارة عالية. الزجاج "السانديلست" أو ما يسمى"ضرب الرمل" ويتم لصق التصميم المراد على الزجاج، بحيث يكون الورق اللاصق فوق الأجزاء المراد لها أن تحتفظ بشفافية الزجاج، ويتم رش باقي الأجزاء بالرمل عن طريق جهاز خاص.

الزجاج المعشق المشطوف وهو نوع مميز من الزجاج المعشق الذي يستخدم فيه كسر الزجاج بأنواعه وفقا للتصميم المطلوب، ومن أحدث أنواعه الزجاج المعشق بالكريستال، وهو آخر ما أنتجته المصانع الأوروبية، وهو عبارة عن حبات من الكريستال الأصلي تدخل في الزجاج.

كيفية العناية به: للحفاظ على الزجاج المعشق أطول فترة ممكنة، ينصح الخبراء بتجنب استخدام الكيماويات في تنظيفه، لأنه يفسد النحاس والرصاص، كما يجب أن يكون بعيدا عن متناول الأطفال حتى لا يتعرض للكسر.

منقول من "الشرق الأوسط"


تفاعل مع الصفحة

تفاعل مع الصفحة